انتظرنا مرور العاصفة، تلك التي أثارتها التعليقات والتعليقات المضادة حول سؤالٍ بدا بسيطًا في ظاهره: هل انتصر المغرب أم انتصر الجيران؟ ومع انقشاع الغبار، تبين أن المسألة أعمق من سجال لحظي أو فوز رمزي؛ إنها محطة جديدة في مسار قضية عمرها عقود. ففي عالم السياسة الدولية، قليل من المبادرات تصمد أمام اختبار الزمن لتتحول من مقترحات وطنية إلى مرجعيات أممية. ومبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب سنة 2007 هي واحدة من هذه النماذج النادرة، إذ انتقلت اليوم، بفضل القرار الأممي رقم 2797، من خانة “المقترح المغربي” إلى مرتبة “الأساس الأكثر جدية وواقعية” لحل النزاع حول الصحراء.
تلك ليست مجرد صياغة دبلوماسية؛ إنها لحظة اعتراف دولي بمسار طويل من الاتزان والرؤية الاستباقية التي جعلت المغرب في موقع الفاعل لا المنفعل. وفي النهاية، انتصر العقل والمنطق.
التحول في لغة مجلس الأمن لا يحدث اعتباطا. فحين يشير القرار إلى أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يمثل الحل الأكثر جدوى، ويطالب الأطراف بالمفاوضة “على أساس المقترح المغربي”، فهذا يعني أن الأمم المتحدة اختارت مرجعية واحدة للمسار السياسي بعد سنوات من التيه بين صيغ تجاوزها الواقع. لقد حسمت المؤسسة الأممية بوضوح أن الحل لا يمكن أن يولد من فراغ، وأن المقاربة المغربية، بما تحمله من توازن بين السيادة والانفتاح، هي الطريق الممكن نحو تسوية دائمة ومستقرة.
هذا الاعتراف الدولي لم يأت من فراغ، بل هو ثمرة عمل دبلوماسي متواصل اشتغل على ثلاث جبهات متكاملة: الميدان، الشرعية، والمصداقية. فبينما كان الخطاب الجزائري يستهلك الزمن في اجترار شعارات الاستفتاء، كان المغرب يبني على الأرض مؤسسات واقتصادا وتنمية في الأقاليم الجنوبية، ليثبت أن الحكم الذاتي ليس شعارا بل مشروعا قابلا للحياة. ومن رحم هذا الفعل التنموي وهدوء الموقف السياسي، تشكّل الاقتناع الدولي بأن مقاربة الرباط ليست فقط ممكنة، بل هي المرجع الوحيد القادر على إنتاج حل واقعي.
اليوم، ومع اعتماد مجلس الأمن لغة جديدة تضع الحكم الذاتي في قلب المعادلة، يمكن القول إن الزمن الدبلوماسي المغربي بلغ لحظة نضجه الكامل. فبعد عقود من المناورات والتأجيل، انتصر منطق الدولة على منطق الوهم، وصارت الأمم المتحدة تتحدث بلسان كان المغرب يردده منذ البداية: لا حل خارج السيادة، ولا مستقبل خارج الواقعية. وهكذا، لم يعد السؤال المطروح “أي حل؟” بل “كيف نترجم الحكم الذاتي إلى واقع مؤسساتي يرسخ الاستقرار والتنمية في الصحراء المغربية؟”
إنه تتويج لمسار صبور أثبت أن منطق البناء أقوى من ضجيج العرقلة، وأن الرؤية الواضحة، مهما طال الزمن، تفرض نفسها في النهاية كقدر منصف للتاريخ.