كشف التقرير السنوي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية برسم سنة 2024 عن حصيلة استثنائية تؤكد التحول العميق الذي يشهده القضاء المغربي في مسار إصلاحه الشامل. فبفضل تنفيذ 98% من الخطة الاستراتيجية 2022-2026، وتفعيل البنيات الإدارية الجديدة المنبثقة عن الإصلاحات التشريعية، نجح المجلس في إرساء نموذج حديث للحكامة القضائية، يرتكز على الكفاءة، الشفافية، والاستقلالية. ويؤكد التقرير أن هذه الدينامية ليست تقنية فقط، بل هي ثمرة رؤية ملكية واضحة تضع العدالة في صميم مشروع التحديث المؤسسي للدولة.
الأرقام تكشف عن تحول بنيوي غير مسبوق: أزيد من 4.6 آلاف قاضٍ يزاولون مهامهم في 225 محكمة موزعة على التراب الوطني، من بينهم 1.244 امرأة يشغلن مناصب مسؤولية في تطور ملحوظ للحضور النسائي داخل الجهاز القضائي. كما تمت ترقية 3.626 قاضياً وتنقيل 669 لتلبية حاجيات الجهات، إضافة إلى التحاق 548 قاضياً جديداً بسلك القضاء. وعلى مستوى الأداء، حققت المحاكم المغربية رقماً قياسياً عالمياً تقريباً بتجاوزها 103% في معدل البت في القضايا، إذ تم تسجيل أزيد من 4.33 ملايين قضية والبث في أكثر من 4.44 ملايين، وهو ما أسهم في تقليص آجال المعالجة إلى 47 يوماً فقط بعد أن كانت تتجاوز 160 يوماً في بعض المحاكم. حتى محكمة النقض بدورها بلغت نسبة معالجة غير مسبوقة بلغت 109% من الملفات المسجلة.
في جانب آخر، عزز المجلس ورش تخليق الحياة القضائية عبر إحالة 70 قاضياً على المجلس التأديبي، وتنفيذ 22 مهمة تفتيش و130 زيارة ميدانية، في إطار سياسة الحزم والمواكبة لضمان الانضباط وجودة الخدمات. كما واصل تطوير علاقة المؤسسة بالمواطنين من خلال تسريع وتيرة معالجة الشكايات، حيث بلغت نسبة التفاعل 96,5% بفضل رقمنة المساطر واعتماد آليات رقمية حديثة. ولم يتوقف الإصلاح عند البنية الإدارية، بل شمل التكوين المستمر الذي استفاد منه أزيد من 1.600 قاضٍ و200 مسؤول في برامج حديثة حول القيادة والحكامة. وبإحداث قطب خاص بالتحول الرقمي، تكون العدالة المغربية قد دخلت فعلياً زمن السرعة، الشفافية، والمواطنة المؤسسية، في خطوة تؤكد أن القضاء أصبح ليس فقط أكثر استقلالية، بل أكثر كفاءة وقرباً من المواطن.
