يدخل المغرب مرحلة جديدة في تموقعه الصناعي العالمي، حيث أصبح وجهة مفضلة لشركات صناعة السيارات الأوروبية الباحثة عن خفض التكاليف وتعزيز هوامش الربح. ويعود ذلك إلى مزيج من العوامل الجاذبة، أبرزها اليد العاملة المؤهلة والمنخفضة التكلفة، والحوافز الضريبية السخية، وسلسلة الإمداد الصناعية التي تشهد نمواً متسارعاً. ويتجلى ذلك بوضوح في توسع مجموعة “ستيلانتيس” في مصنعها بمدينة القنيطرة، حيث يتم إنتاج سيارة “بيجو 208”، ومن المرتقب أن يتم تجميع الطراز الجديد من “سيتروين C4”، إلى جانب إنشاء وحدة لإنتاج المحركات، ما يمثل خطوة استراتيجية عززت مكانة المغرب وأثارت في المقابل مخاوف في إسبانيا المجاورة.
وتشير التقديرات إلى أن الفارق في كلفة الإنتاج بين المغرب وأوروبا أصبح حاسماً. فوفقاً لدراسة أجراها مكتب “أوليفر وايمن”، يبلغ متوسط كلفة اليد العاملة لكل سيارة نحو 3.300 دولار في ألمانيا، و955 دولاراً في إسبانيا، و600 دولار في الصين، مقابل 110 دولارات فقط في المغرب. هذا الفارق الكبير، إلى جانب الاستقرار الماكرو-اقتصادي والبيئة الجبائية المحفزة وتطور منظومات التزويد الصناعي في طنجة المتوسط والقنيطرة والدار البيضاء، جعل من المملكة محوراً صاعداً في خريطة صناعة السيارات العالمية.
ولشركات التصنيع الأوروبية، تبدو المعادلة واضحة: الإنتاج في المغرب يضمن الحفاظ على التنافسية مع القرب الجغرافي من السوق الأوروبية. أما بالنسبة للرباط، فالتحدي الأكبر يتمثل في الانتقال من ميزة الكلفة المنخفضة إلى ميزة القيمة المضافة العالية، من خلال رفع نسبة الإدماج المحلي وتطوير المحركات الكهربائية والبحث والتطوير الصناعي.
هذا التحول لا يأتي من فراغ، بل هو ثمرة سياسة صناعية طويلة الأمد اتبعتها المملكة منذ عقدين، تقوم على جذب الاستثمارات المهيكلة، وتطوير البنية التحتية، وتأهيل الكفاءات الوطنية. واليوم، بينما تواجه أوروبا ضغوطات التحول الطاقي وارتفاع التكاليف، يجني المغرب ثمار رؤيته الاستراتيجية ليكرس نفسه كمنصة إقليمية رائدة في مجال صناعة السيارات.
ويرى خبراء القطاع أن السنوات المقبلة ستكون حاسمة لترسيخ هذا التقدم، خاصة إذا تم تسريع الاستثمارات في سلاسل إنتاج البطاريات والمحركات الكهربائية. بذلك، يمكن للمغرب أن يتحول من مجرد قاعدة إنتاج منخفضة التكلفة إلى مركز صناعي متكامل، يجمع بين التصنيع والابتكار، ويضع المملكة في قلب التحول العالمي نحو التنقل المستدام.