في خضم التحولات التي تعرفها منطقة الساحل وما تفرضه من تحديات أمنية وتنموية معقدة، شكل استقبال الملك محمد السادس لوزراء خارجية مالي والنيجر وبوركينا فاسو رسالة استراتيجية قوية تؤكد تموقع المغرب كلاعب محوري في معادلة الاستقرار والتعاون الإفريقي. ولم تكن هذه الزيارة مجرد محطة بروتوكولية بل لحظة دبلوماسية تعكس التزام الرباط الراسخ بدعم شراكات واقعية قائمة على الثقة، وتكريس نهج تنموي شامل يعيد رسم توازنات المنطقة من الداخل.
وفي هذا السياق صرح خبير العلاقات الدولية احمد نور الدين لموقع THE PRESS أن هذه الزيارة تحمل رسائل سياسية واضحة لمن يهمه الأمر، مفادها أن المغرب يقف إلى جانب أصدقائه وأشقائه في أوقات الرخاء كما في لحظات الشدة. مشيرا الى أن البلاغ الرسمي الذي اعلن عن خبر الاستقبال شدد على عمق العلاقات التي تجمع المغرب بالدول الثلاثة وعلى قيم الاحترام المتبادل والتضامن العملي، ما يترجم مساعي المغرب لاستعادة الدول الثلاثة كامل عضويتها في الاتحاد الإفريقي، وهو أيضا ما يقوم به من خلال الدعم المباشر لتقوية المؤسسات الرسمية لمواجهة التهديدات الانفصالية والإرهابية ولمواجهة التهديدات الخارجية على الحدود بما فيها التهديدات العسكرية.
وأوضح نور الدين أن التوجه الإفريقي للمملكة ليس وليد اللحظة، بل له جذور تاريخية عميقة تبلورت بقوة مع تولي الملك محمد السادس الحكم، حيث أصبح المغرب أول مستثمر إفريقي في غرب القارة والثاني على صعيد القارة ككل.
و أضاف المتحدث ذاته أن هذا لوحده مؤشر يغنينا عن باقي المؤشرات حول الدور البناء والإيجابي الذي يقوم به المغرب من أجل تعزيز التعاون جنوب-جنوب ومن أجل إفريقيا مزدهرة ومن أجل إفريقيا تملك قرارها السيادي في الغذاء والدواء وغيرها من القطاعات الاستراتيجية.
وما يميز مبادرات المغرب تجاه دول الساحل بحسب خبير العلاقات الدولية، هو المبادرة الملكية التي تهدف إلى تمكين هذه الدول الحبيسة من الولوج إلى المحيط الأطلسي عبر البنيات التحتية والموانئ المغربية، ما يجعل من المغرب شريكا عمليا في دعم اندماج هذا التحالف الإقليمي, ومعتبرا أن هذه الخطوة يمكن أن تشكل أساسا لتطوير علاقة استراتيجية بأبعاد متعددة، من شأنها أن ترتقي إلى مستوى منظمة إقليمية تضم موريتانيا وتشاد، لما لهما من ارتباط مباشر أو غير مباشر بالمشروع.
كما شدد نور الدين في ختام حديثه للموقع، على أن المغرب يقدم نموذجا للتعاون الإقليمي المبني على المصداقية والوضوح، ويعيد عبر هذه الشراكة إحياء طريق القوافل التاريخية التي ربطت المملكة بدول الساحل في أفق بناء مستقبل مشترك قائم على الأمن والتنمية والتكامل.