عمر المرابط لـTHE PRESS: أدعو بنكيران إلى أن ينفتح على “البنكيرانيين النصوحين” والمصالحة تمر عبر شجاعة النقد لا الولاء

في وقت يَصِفه البعض بـ”الهدوء الظاهري” الذي يسبق العاصفة، يستعد حزب العدالة والتنمية لعقد مؤتمره الوطني التاسع، وسط تساؤلات متزايدة حول مصير الحزب الذي لا يزال يعيش على وقع هزيمته الانتخابية سنة 2021، وانسحاب عدد من قياداته البارزة، واحتدام النقاشات الداخلية المؤجلة. فهل يعبّر هذا الهدوء عن نضج تنظيمي واستعداد لإعادة البناء؟ أم أنه يخفي فتوراً سياسياً وتوجساً من تفجر الخلافات الكامنة؟

في هذا السياق، أجرت THE PRESS حواراً خاصاً مع عمر المرابط، الذي اختار أن يخرج عن صمته، مقدماً تشخيصاً جريئاً لأعطاب الحزب، وموقفاً صريحاً من تجربة عبد الإله بنكيران، ومن اختيارات القيادة الحالية، دون تردد في تسمية الأمور بمسمياتها.

عمر المرابط هو مهندس معلوماتيات مختص في الأمن السيبراني والتحول الرقمي بإحدى كبرى الشركات العالمية، وخبير في العلاقات الدولية، وباحث وكاتب رأي ينشر تحليلاته في عدد من الجرائد والمواقع العربية، كما يشارك كمحلل على قنوات إخبارية وطنية ودولية. يشغل حالياً رئاسة المنتدى المغربي للكفاءات والنخب (Moumkine.com)، وشغل سابقاً منصب نائب عمدة مدينة أتيس مونس جنوب باريس.

المرابط عضو مؤسس في مجلس الجالية المغربية بالخارج منذ تأسيسه بظهير ملكي سنة 2007، وهو أيضاً الرئيس المؤسس لشبكة “مغرب التنمية” التي أطلقها في فرنسا سنة 2006 قبل تعميم التجربة على بلجيكا ودول أخرى انطلاقاً من 2010. سياسياً، يُعد من أبرز وجوه الجالية المغربية داخل حزب العدالة والتنمية الذي قدم منه استقالته مؤخرا، حيث كان أول ممثل للحزب في فرنسا، ثم أول منسق له في أوروبا، قبل أن يُعيَّن رئيساً للجنة مغاربة العالم بالحزب، وعضواً في مجلسه الوطني.

من موقعه كمتخصص وباحث وفاعل سياسي سابق، يفتح المرابط، في هذا الحوار، زاوية تحليلية مختلفة لقراءة واقع “البيجيدي” ومستقبله: هل يشهد الحزب تحوّلاً هادئاً، أم يعيش على وقع أزمة مهيأة للانفجار؟ وهل يكون المؤتمر التاسع لحظة ولادة جديدة أم محطة إضافية في مسار التراجع؟

THE PRESS: في ظل التحضيرات “الهادئة” للمؤتمر الوطني التاسع، هل يعتبر غياب النقاشات الحادة مؤشراً على نضج تنظيمي داخل الحزب، أم أنه يُخفي حالة من الفتور والتوجس من تفجر الخلافات الداخلية؟

المرابط: أعتقد أن حزب العدالة والتنمية  قد تغير  لأسباب ذاتية وموضوعية بحكم مروره على رأس الحكومة المغربية لمدة عقد من الزمان وبحكم الاختلافات الداخلية التي خلفتها هذه التجربة ابتداء من إعفاء ذ بنكيران وما خلفه هذا الإعفاء من إحساس للرجل بالخذلان والتخلي عنه من ذويه داخل الحزب بل لا أجازف إن قلت أنه إحساس بانتهازية بعضهم للوصول إلى مرادهم وفي هذا قسط كبير من الحقيقة، بعدها رجع بنكيران إلى رئاسة الحزب في  ظروف اتسمت بهزيمة مدوية في الانتخابات ونقصان شجاعة في التعبير عن الأسباب الحقيقية للهزيمة سوى تحمل المسؤولية بشكل مجمل وغامض.

هذا من جهة، من جهة أخرى يمكن أن أقول أن رجوع بنكيران إلى الأمانة العامة طوى صفحة الخلافات بالحسم فيها ضمنيا مع اختيار توجه آخر يمثله الأمين العام القديم الجديد العائد، خاصة وأنني أعتقد أن ما سمي بالحوار الداخلي للحزب في عهد الأمانة العامة السابقة كان فاشلا biaisé لأنه ولد ميتا بمقاطعة بنكيران له ثم بطريقة اختيار المشاركين فيه، وقد كنت من الذين أقصوا عنوة من المشاركة فيه بالرغم من أنني كنت أحضر أطروحة في العلوم السياسية حول موضوع “الديمقراطية داخل الأحزاب والحركات الإسلامية”.

أخيرا يمكن أن أقول وقد غادرت الحزب منذئذ -لكنني لا زلت أتابعه بحكم تخصصي – أن التوجس من انفجار الخلافات الداخلية غير صحيح فالمؤتمر سيد نفسه وكم شهدنا خلافات قوية داخل الحزب كادت أن تعصف به وكان من أبطالها أحيانا الأستاذ مصطفى الرميد وغيره، ومن ثمة قد تحصل مفاجآت خاصة وأن بعض قيادات الحزب يمكن أن تقوم بوساطات بين بعض القيادات للم الشمل لكنه من الأكيد سيكون جزئيا ومرحليا في انتظار التغييرات المقبلة التي ستطرأ على الحزب.

وهنا أغتنم الفرصة لأقول أنني تفاجأت عندما أقرأ لبعض القيادات وهي تصرح للصحافة مع إخفاء الاسم والتخفي وراء ستار ومنها التصريح الذي نشرتموه على جريدتكم الموقرة، فأقول في نفسي هل لهذا القيادي، الذي يعطي تصريحات ، مرتديا لباس  المرأة المنقبة أن يصرح   من وراء  حجاب، أم  وجب عليه إما أن يصمت أو أن يملك الشجاعة الأدبية للخروج علنا خاصة وأن الكثير من مناضلي الحزب تربوا أيضا داخل حركة التوحيد والإصلاح التي غادرتُها  أيضا منذ سنوات عديدة،  وكان النقد البناء يتم أمام المسؤولين في إطار “الجرح والتعديل”، للمحافظة على  المبادئ العليا للأخلاق الإسلامية، وتجنب الغيبة والنميمة التي أصبحت للأسف عادة في أقوال بعضهم السياسية،  وانتقلت من درجة الكبائر إلى اللمم.

THE PRESS: يتهم البعض، القيادة الحالية، بتغييب النقد الذاتي وتفادي تقييم محطات مفصلية كأزمة 2016 وهزيمة 2021. كيف تردون على هذه الانتقادات؟ وهل هناك نية حقيقية لفتح هذا الملف خلال المؤتمر؟

المرابط: بالنسبة للنقد الذاتي فإنه حزبيا قد تم بانتقاد القيادة الحالية للسابقة ، فقد انتقدت بشدة تدبير الحزب منذ 2017 وهزيمة 2021، لكن هناك ما يقال وما لا يقال، لأن الحزب ولدواع سياسية لا يملك الجرأة والشجاعة للتصريح علنا في واضحة النهار بأن الانتخابات  لم تحترم كل المعايير الديمقراطية  وفصلت بطريقة سهلت هزيمة الحزب، إذ في نظري المتواضع ترجع الهزيمة إلى تحليل ثلاثي الأبعاد، هناك أسباب ذاتية داخلية، وموضوعية تتعلق بتدبيره السياسي والحكومي وخارجية تتعلق بكونه قضى عشرة سنوات في الحكم (الله يجعل البركة) ثم المتغيرات في المحيط السياسي داخل الوطن وخارجه.

لكنني أعتقد أنه تفاديا للصدام مع الدولة لا يجرؤ الحزب على التصريح بما يخالج العديد من القيادات والمناضلين من وجود عوامل خارجية ساهمت في الهزيمة المنكرة علاوة على العوامل الذاتية والموضوعية، لكن سي بنكيران في العديد من خرجاته قدم نظرته الخاصة لبعض الأسباب، لكن التقييم في نظري يجب أن يكون جماعيا لطي هذا الملف نهائيا.

أما إذا كنتم تقصدون بالنقد الذاتي تقييم المرحلة الحالية  من طرف قيادتها، فإنني سأجلب على نفسي بعض السخط إذا قلت إن القيادة الحالية فيها شيء من النرجسية والشعبوية تُفسَّر بكون اختيارات المرحلة السابقة كانت فاشلة من حيث التدبير الحزبي ولست هنا بصدد الحكم عن التدبير الحكومي إذ هو شيء آخر.

أما بالنسبة لسؤالكم الثاني، فتواجدي خارج الحزب لا يسمح لي باستقراء وضعه الداخلي الآن والإجابة عن السؤال.

THE PRESS: في ظل انسحاب عدد من القيادات البارزة وتعدد الروايات داخل الحزب، هل تتوقعون أن يكون المؤتمر المقبل محطة لتصحيح المسار وإطلاق مصالحة داخلية، أم أن التوازنات الحالية ستُكرّس واقع الانقسام الصامت؟

المرابط: أعتقد أن انسحاب وغياب واستقالة بعض قيادات الصف الأول التاريخي فتح الباب على مصراعيه للأستاذ بنكيران كي يؤكد حضوره كقيادة كاريزمية للحزب يمكن أن تعود به إلى بعض أمجاده التي تلت الربيع العربي، لكنني شخصيا أعتقد أن سي بنكيران أحاط نفسه بقوقعة من القيادات تتعامل معه على شكل تعامل “المريد مع الشيخ” ولا تجرؤ على مناقضته علنا ، دون تعميم بطبيعة الحال، فاختيار أعضاء الأمانة العامة كان من بين منتقدي المرحلة السابقة، من الناشطين على الفايسبوك ومن ما يمكن أن نسميهم بالفرنسية les grandes gueules، وهنا أقصد فقط  إحداهم أو إحداهن, ومن ثمة فإن التماثل في التفكير يمثل خطرا على فكر الحزب الذي كان يملك تيارات فكرية مختلفة وإن تغير بعضها من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين مع التجربة الحكومية.

أما الحديث عن تصحيح المسار، فأعتقد أن قيادة الحزب الحالية والكثير من مناضليه يعتقدون أن القطار عاد إلى السكة لكنه لا زال يمشي بتأني وأن المصالحة الداخلية مفتوحة لمن أراد الرجوع والرضوخ لمنطق الأغلبية التي يسير الحزب فالقانون الأساسي للحزب مبني على منطق رئاسي يعطي أكبر الصلاحيات لقيادة الحزب التي تنتخب بشكل ديمقراطي ونزيه خلال المؤتمرات، ومن أراد التغيير فما عليه إلا التصريح بأطروحة مغايرة أمام مناضلي الحزب، أما اشتراط ذهاب فلان أو علان للأوبة والرجوع فلا يمكن إلا أن يؤجج أمر الاختلاف. وهو في نظري ضد منطق الاختيار الحر للقيادة من طرف المؤتمرين، لكن على بنكيران أن ينفتح إذا ما تمت إعادة انتخابه على “البنكيرانيين” النصوحين، أسوة بتصريح لوزير فرنسي سابق عندما قال: Sakozy doit s’ouvrir sur les vrais sarkozystes

أخيرا، يمكن أن أقول إنه في جميع الحالات نحن في أواخر تدبير الجيل الأول الذي وجب عليه الآن إعطاء المفاتيح لجيل آخر إن لم يكن في هذا المؤتمر التاسع فمن الأكيد أنه سيتم ذلك في المؤتمر العاشر بحكم التقدم في السن أو مجيء هادم اللذات.

أما الجيل الأول فعليه أن يبدأ بكتابة مذكراته أو التصريح بقراءاته العميقة كما فعل الأستاذ الرميد وحق له ذلك.

THE PRESS: وبالنسبة لمستقبل السيد عبد الإله بنكيران داخل الحزب، هل تعتقدون أن مكانه لا يزال مناسباً ضمن القيادة؟ أم أن دوره الأنسب اليوم هو دعم الحزب من الخلف كـ”جندي خفاء” يقدّم المشورة دون أن يكون في واجهة القرار؟

المرابط: سنة 2017 عندما اقترحت الخيار الثالث ولو أن بعضهم استهزأ به كونه صدر من “قيادي” لا صدارة له ولا اعتبار له حيث كنت أرأس لجنة مغاربة العالم للحزب ، كان الغرض منه حفظ مكانة سي بنكيران ليبقى أكثر من “جندي خفاء” وتحفظ له مكانته وكرامته داخل الحزب، ثم ليتم الفصل بين قيادة الحزب وقيادة الحكومة ، ولو كنا تبعنا هذا الاختيار لما تحمل الحزب تبعات ثالوث توقيع التطبيع والاختلاف حول قانون اللغة العربية و القنب الهندي، ولوجد الحزب تفسيرا منطقيا مع مسانديه، فإكراهات التدبير الحكومي غير إكراهات إدارة الحزب وسياساته، وقد نجح بنكيران في الفصل بينهما كونه كان رئيس حكومة وسط الأسبوع لينقلب إلى أشرس معارض يتحدث عن التماسيح والعفاريت قي نهاية الأسبوع ومن ثمة حقق نتائج انتخابية باهرة وهذا ما فشل فيه سي العثماني وهو الرجل الذي أحبه وأقدره كثيرا، لكن في السياسة “خص الرجل يكون فيها نمس”.

ثم عندما اختار جلالة الملك شخصية أخرى لقيادة الحكومة لم يكن من المنطقي حزبيا إعطاء قيادة الحزب لبنكيران إذ كانت ستكون إشارة سلبية تجاه حاكم البلاد، وأعتقد أن بنكيران بالرغم من عدم استطاعته التزام الصمت مما يجلب عليه المشاكل، يبقى له اعتبار خاص، فهو رجل وطني من أكبر وأقوى مناصري الملكية في المغرب، ويكفي أن نذكر موقفه ضد الملكية البرلمانية التي كانت بعض القيادات داخل الحزب تطرحها.

قبل الختام يمكن أن أضيف أن حزب العدالة والتنمية انتقل في ديمقراطيته الداخلية (وهي أصيلة لمعرفتي بها وهي حقيقية عكس بعض الأحزاب والحركات الإسلامية  التي درستها)، من منطق اختيار قيادته من بين شخصيات تنتمي لجيل التأسيس أو الصف التاريخي الأول وهي شبه متكافئة ومتنافسة، أي ومن إخوة كانوا على مستوى واحد مع تفاوت في الشخصيات والأفكار   إلى منطق الزعامة وهو منطق لا يناقض الديمقراطية الداخلية متواجد في العديد من الأحزاب الغربية ويمكن أن نذكر ميركل في ألمانيا، أو جاك شيراك في فرنسا، وما دام الزعيم ذو الكاريزما يسير الحزب   لم ينسحب لذاته، أو لم يتلق هزيمة انتخابية مدوية تكرهه على الانسحاب ، فيمكن له البقاء على رأس الحزب.

أما كونه مناسبا أم غير مناسب فأنا من أكبر مناصري الديمقراطية والانفتاح في نفس الوقت، وعليه أعتقد أنه ليس من حقي وأنا خارج الحزب الآن ولا من حق غيري إملاء من هو الأصلح لقيادة الحزب مستقبلا بل هو حق خاص بالمشاركين في المؤتمر التاسع.

أجرىالحوار: جوادالشفدي 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

القضاء البريطاني يحسم الجدل: “المرأة” هي الأنثى البيولوجية فقط

المنشور التالي

من إغلاق 11 فرع إلى توقف شامل.. أزمة “بلبن” في مصر تثير القلق داخل وخارج البلاد

المقالات ذات الصلة