في السنوات الأخيرة، اجتاح مخدر “الكوش” سيراليون، مُحدثًا أزمة صحية واجتماعية غير مسبوقة. هذا المخدر، الذي ظهر لأول مرة في البلاد عام 2016، أصبح شائعًا بشكل مقلق منذ عام 2020، مما دفع الحكومة إلى إعلان حالة الطوارئ الوطنية في أبريل 2024. يُعتبر “الكوش” مزيجًا خطيرًا من مواد كيميائية تشمل القنب الصناعي، الفنتانيل، الترامادول، الفورمالديهايد، وأحيانًا عظامًا بشرية مطحونة، مما يزيد من خطورته وتأثيره المدمر على الصحة العقلية والبدنية للمستخدمين.
تأثيرات “الكوش” على الشباب في سيراليون كانت كارثية. فمنذ عام 2020، شهد المستشفى الوحيد للأمراض النفسية في البلاد زيادة بنسبة 4000% في عدد المرضى المدمنين على هذا المخدر. كما أُجبر العديد من الأسر على ترك جثث أحبائهم في الشوارع بسبب عدم قدرة المشارح على استيعاب الأعداد المتزايدة من الوفيات، مما اضطر السلطات إلى تنفيذ عمليات حرق جماعي للجثث كإجراء طارئ يعكس عمق المأساة.
الانتشار السريع لـ”الكوش” لم يقتصر على سيراليون فقط، بل امتد إلى دول غرب إفريقيا مثل ليبيريا، غينيا، غينيا بيساو، وغامبيا. ويُعزى هذا الانتشار إلى سهولة تصنيعه وتكلفته المنخفضة، حيث لا يتجاوز سعر الجرعة الواحدة دولارًا واحدًا، مما يجعله في متناول فئات واسعة من المجتمع، خاصة الشباب الذين يعانون من البطالة والفقر والتهميش.
الاستجابة الحكومية لأزمة “الكوش” كانت محدودة وتعتمد بشكل رئيسي على الإجراءات الأمنية، مثل اعتقال المتعاطين والتجار، دون توفير برامج فعالة لإعادة التأهيل أو الدعم النفسي. كما أن نقص البيانات الدقيقة حول حجم المشكلة وتعقيداتها يزيد من صعوبة التعامل معها بشكل شامل وفعّال، وسط تخوف من تحوّل هذه الظاهرة إلى وباء إقليمي خارج السيطرة.
يبقى السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه في خضم هذه الفوضى: هل كانت أفريقيا بحاجة إلى كارثة اجتماعية أخرى تفتك بشبابها بعد أن أنهكها الفقر، والبطالة، والنزاعات، وضعف البنية الصحية؟ وهل ما زال العالم يتعامل مع مآسي القارة على أنها أرقام عابرة في تقارير المنظمات؟