في مطلع أبريل 2025، دخلت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين مرحلة جديدة، حيث تصاعدت المواجهة بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم. ففي خطوة غير مسبوقة، قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع الرسوم الجمركية على واردات صينية لتصل إلى 145%. وكانت الردود الصينية سريعة وقوية، حيث رفعت بدورها الرسوم على السلع الأميركية إلى 125%. هذا التصعيد الفجائي فتح الباب أمام أخطر مواجهة اقتصادية بين القوتين العالميتين، حيث دخلت مرحلة “الرسوم الانتقامية المتبادلة” التي تعكس تحولًا جذريًا في العلاقات التجارية بين الدولتين.

ففي حواره مع THE PRESS أفاد الخبير الاقتصادي “زكرياء كارتي” بأن الخطأ الجوهري في مقاربة الإدارة الأميركية للحرب التجارية مع الصين، يكمن في اعتمادها فقط على معيار العجز التجاري الثنائي. فترامب يتحدث عن “اختلال في الميزان التجاري”، ويعتبر أن الولايات المتحدة “تُستغل” من طرف الصين ودول أخرى مثل المكسيك وكندا وفيتنام…، بينما يتجاهل حسب كارتي أن العلاقات الاقتصادية بين الدول لا تُقاس فقط بالصادرات والواردات، بل تشمل أيضًا تدفقات أخرى، أهمها تلك المالية.
ترامب في مواجهة السوق المالي العالمي
أوضح الخبير “كارتي” أن الولايات المتحدة، رغم تسجيلها لعجز تجاري، لا تُعتبر خاسرة بالكامل. فالسوق الأميركية تُعد أكبر سوق مالي في العالم، حيث تمثل بورصاتها نصف القيمة السوقية العالمية, كما أن الشركات الأميركية تجذب استثمارات ضخمة من دول مختلفة, بالإضافة إلى ذلك، تعتمد واشنطن على تمويل ديونها من خلال إصدار السندات، حيث تشكل ديونها 120% من ناتجها المحلي الإجمالي، لكنها تعتمد في تمويل هذا الدين على دول مثل الصين وأوروبا واليابان. ولذلك، رغم التصعيد الذي أطلقه الرئيس ترامب، اضطر إلى تعليق الرسوم الجمركية على معظم شركائه التجاريين لمدة 90 يومًا، باستثناء الصين. ويشير كارتي إلى أن سبب هذا التراجع المفاجئ لم يكن “المرونة السياسية”، بل نتيجة الضغط الناتج عن سوق السندات الأميركي، الذي بدأ يرفض تمويل الديون المتزايدة. كما أضاف الخبير: “كل الدول لديها القدرة على الرد. يكفي أن تتوقف عن شراء سندات الدين الأميركي، وستواجه أمريكا حينها مشكلًا حقيقيًا”.
الصين تخسر… ولكنها تملك أوراقًا استراتيجية
في الطرف الآخر، يقول الخبير “تبدو الصين متضررة أيضًا, فهي المستفيد الأول من السوق الأميركي (الذي يحتكر تقريبا %30 من الاستهلاك العالمي)، وتصدر ما يقارب 50% من الإنتاج الصناعي العالمي. إلا أنها بدأت تلوّح بأوراق ضغط استراتيجية، منها تقليص الاعتماد على الدولار، خفض الاستثمارات في سندات الدين الأميركي، وفرض قيود على صادرات المواد النادرة, كما بدأت تعزيز شراكات بديلة، وهو ما يعبّر عن نيتها في تقليص الارتباط الاقتصادي بالولايات المتحدة تدريجيًا.”
من الخاسر الحقيقي؟

يعتقد كارتي أن الجميع خاسر في هذه الحرب، لكنه يلفت إلى أن الولايات المتحدة قد تكون الأكثر تضررًا على المدى الطويل إذا واصلت نهجها الانعزالي. ويضيف: “الولايات المتحدة دولة قوية اقتصاديًا، لكن كونك الأقوى لا يعني أنك ستربح معارك ضد الجميع”. بل على العكس، يبرز أن هذا النهج يُقوّي التقارب بين الصين وأوروبا ودول أخرى، ويخلق حالة من “الاتحاد ضد واشنطن”.
من جهتها، رغم الخسائر المحتملة، تحاول الصين استثمار هذه الحرب لإعادة هيكلة علاقاتها التجارية وتقليل الاعتماد على السوق الأميركية. فهي تمتلك أوراقًا استراتيجية مهمة، وعلى رأسها سوق استهلاكية محلية ضخمة، وشبكة علاقات متنامية في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
هل من مخرج لهذه الأزمة؟
الخلاصة التي يقدمها كارتي تشير إلى أن هذه الحرب التجارية لن تستمر بالحدة نفسها، خاصة بالنظر إلى الضغوط الاقتصادية الداخلية التي تواجهها الولايات المتحدة، فضلاً عن الضغوط التي تمارسها النخب الاقتصادية على ترامب. كما أن النظام المالي العالمي لا يحتمل المزيد من التصعيد، ويضيف كارتي: “هذه الحرب قد تخلق صدمة في النظام الاقتصادي العالمي، لكن الولايات المتحدة تدرك أنها تهدد النظام الذي تستفيد منه بشكل أساسي، وبالتالي ستكون هناك مفاوضات رغم ارتفاع سقف التصعيد”.
في النهاية، لا تقتصر الحرب التجارية بين واشنطن وبكين على الخلافات الجمركية فحسب، بل تحولت إلى معركة استراتيجية عالمية حول من يمتلك القدرة على تشكيل النظام الاقتصادي العالمي الجديد، وفي هذه الحرب، قد يكون “الرابح” هو من يستطيع التوصل إلى حل يخفف من تداعياتها على الاقتصاد العالمي.