تشهد الولايات المتحدة الأمريكية تراجعاً حاداً في معدلات حجوزات السفر من وجهات دولية، حيث سُجل انخفاض بنسبة 34% في الرحلات نحو ميامي، و31% نحو لوس أنجلوس، و18% نحو أتلانتا. هذا الانخفاض اللافت لم يعد مجرد ظاهرة ظرفية مرتبطة بأحداث مؤقتة، بل أصبح يعكس أزمة أعمق تتعلق بصورة الولايات المتحدة على الساحة العالمية، وتحديداً في أعين المسافرين الدوليين.
أحد أبرز العوامل وراء هذا التراجع هو تصاعد التوترات التجارية والسياسية خلال الفترة الحالية لإدارة الرئيس دونالد ترامب، والتي تميزت بسياسات حمائية وتهديدات موجهة حتى إلى أقرب الحلفاء مثل كندا. التلويح المستمر بإجراءات تجارية عقابية، وطرح أفكار صادمة مثل “ضمّ كندا”، خلق مناخاً من عدم الاستقرار، انعكس سلباً على رغبة المسافرين في اختيار الولايات المتحدة كوجهة سياحية مفضلة.
إلى جانب الحرب التجارية، لعب الخطاب السياسي الداخلي والخارجي دوراً كبيراً في رسم صورة قاتمة عن البلاد في أذهان كثير من السياح. فالتصريحات العدائية تجاه بعض الدول والمهاجرين، والإجراءات المتشددة عند الحدود، دفعت الكثيرين إلى الشعور بعدم الأمان أو بعدم الترحيب، وهو ما أثر بشكل مباشر على قراراتهم المتعلقة بالسفر والترفيه.
كما أن جائحة كوفيد-19 عمّقت من هذا التراجع. فعلى مدار عامين، فرضت الولايات المتحدة قيوداً صارمة على السفر، دون سياسة موحدة أو واضحة المعالم، ما جعل العديد من المسافرين يبحثون عن بدائل أكثر استقراراً ومرونة. وبينما بدأت دول مثل فرنسا وإسبانيا وتايلاند في إعادة فتح أبوابها للسياح بقواعد واضحة وجذابة، ظلت الولايات المتحدة تسير بتردد وقرارات متضاربة.
ومع بدء تعافي القطاع السياحي العالمي، يبدو أن الوجهات التي استطاعت الحفاظ على صورة إيجابية وانفتاح مرحب هي التي حصدت ثمار العودة. في المقابل، فإن استعادة الثقة بالسوق الأميركية يحتاج إلى جهود كبيرة من حيث تحسين صورة البلاد، وتبني خطاب سياسي ودبلوماسي جديد، يعكس القيم التقليدية للولايات المتحدة كبلد متنوع، منفتح، وآمن للمسافرين من مختلف أنحاء العالم.