منذ صعوده المفاجئ إلى السلطة في عام 2019، استطاع نجيب بوكيلة أن يفرض نفسه كأحد أكثر القادة إثارة للجدل في أمريكا اللاتينية. هذا الرئيس الذي يلقب نفسه بالرئيس الأكثر روعة في العالم، بخلفيته غير التقليدية وشخصيته الرقمية المتواصلة عبر تويتر، شكّل نموذجًا جديدًا للقيادة في السلفادور، بلد عانى طويلًا من العنف، الفساد، والتهميش الاجتماعي. لكن بينما يرى فيه البعض منقذًا أعاد الأمن إلى الشوارع، يتساءل آخرون عن كلفة هذا الأمان، خصوصًا على صعيد الحريات وحقوق الإنسان.
ولد بوكيلة في سان سلفادور عام 1981، لأسرة من أصول فلسطينية، وبرز في عالم ريادة الأعمال قبل أن يدخل الحياة السياسية. بدأ مسيرته كعمدة لمدينتين، واكتسب خلالها سمعة القائد القريب من الشعب والمبتعد عن الطبقة السياسية التقليدية. انفصل عن حزب اليسار الذي احتضنه أولاً، وأسّس حركة “أفكار جديدة”، التي حوّلها إلى منصة انتخابية ضخمة مكنته من الفوز بالرئاسة وسط تعطش شعبي للتغيير.
لكن التغيير الذي وعد به بوكيلة لم يكن تدريجياً أو خجولاً. في مواجهة عصابات عنيفة مثل “مارا سالفاتروتشا”، أطلق الرئيس خطة أمنية حازمة شملت اعتقالات جماعية وإجراءات طارئة. وبحلول عام 2022، أعلن حالة الطوارئ التي أوقفت العمل بعدة ضمانات دستورية، مبررًا ذلك بضرورة “استعادة الدولة من أيدي العصابات”. وقد نجحت خطته من حيث الأرقام: معدلات الجريمة تراجعت إلى مستويات قياسية، والشوارع باتت أكثر أمانًا.
غير أن هذا النجاح الأمني أتى على حساب الحريات الفردية. تقارير المنظمات الحقوقية، وعلى رأسها “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية”، وثّقت آلاف حالات الاعتقال دون محاكمة واضحة، مع اتهامات بالتعذيب وسوء المعاملة داخل السجون المكتظة. كما أن السلطة القضائية تم تعديلها بما يسمح للرئيس بتوسيع نفوذه على المؤسسات الأخرى، ما أثار مخاوف من انزلاق السلفادور نحو الحكم الفردي.
هنا تطرح المفارقة نفسها: هل يمكن تبرير الانتهاكات الحقوقية بحجة تحقيق الأمن؟. البعض يجادل بأن الوضع الاستثنائي يتطلب إجراءات استثنائية، وأن الأولوية يجب أن تكون لحماية حياة المواطنين، خاصة بعد عقود من سيطرة العصابات. في المقابل، يحذر الحقوقيون من أن التضحية بالمبادئ الديمقراطية تمهّد لأزمات أخطر على المدى الطويل، حيث يُصبح من الصعب محاسبة السلطة أو استعادة الحريات إذا تم تقويضها باسم الأمن.
وفي النهاية، يبدو أن تجربة نجيب بوكيلة تضعنا أمام أحد أعمق الأسئلة السياسية في زمننا: هل يمكن بناء دولة قوية دون أن تكون حرة؟. الإجابة عن هذا السؤال ستحدّد ليس فقط مستقبل السلفادور، بل وربما اتجاه السياسات الأمنية في العديد من الدول التي تواجه تحديات مشابهة.