حين يطرق الشباب المستقل أبواب البرلمان: هل آن أوان نهاية النخبة الحزبية التقليدية؟

التحول الذي جاء في بلاغ الديوان الملكي بفتح الباب أمام المترشحين المستقلين من فئة الشباب ليس مجرد تعديل قانوني، بل هو لحظة تأمل في مسار العمل السياسي المغربي وفي طبيعة النخب التي تنتجها الأحزاب وتتصدر المشهد العام. فحين تُطرح فكرة الترشح المستقل بدعم مؤسساتي، فذلك يعني أن الدولة استوعبت محدودية النموذج الحزبي في تجديد دمائه، وأن الحاجة باتت ملحّة لفتح المجال أمام كفاءات لم تجد من يتبناها أو يدفعها إلى مواقع القرار.

منذ سنوات، والانتقادات تتصاعد حول طبيعة النخبة التي تفرزها الأحزاب، سواء في تدبير الشأن العام أو في صياغة القوانين التي تمس حياة المواطنين. والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو: هل هذه النخبة تمثل فعلا أفضل ما لدى الأحزاب؟ أم أن وراء الجدران الحزبية توجد طاقات شابة ومؤهلة تم تهميشها بفعل الحسابات الضيقة والولاءات التنظيمية؟ القرار الملكي يبدو كأنه ردّ عملي على هذا السؤال، حين أعاد فتح الأفق أمام كل من يملك الكفاءة والإرادة، بغضّ النظر عن انتمائه.

إن السماح للشباب دون الخامسة والثلاثين بالترشح بشكل مستقل مع تسهيل الشروط الإدارية والمالية يمثل ثورة هادئة في بنية المشهد السياسي. فحين تتكفل الدولة بتغطية جزء كبير من مصاريف الحملات الانتخابية لهؤلاء، فإنها تعترف ضمنيا بأن السياسة لم تعد حكرا على من يملك المال أو التنظيم، بل على من يملك الفكرة والرؤية. إنه إعلان عن بداية مرحلة جديدة تُقاس فيها القيمة بالقدرة على الإقناع لا بالانتماء.

لكن الأهم أن هذا الانفتاح لا يُقصي الأحزاب، بل يدفعها إلى محاسبة ذاتها وإعادة بناء مشروعها من الداخل. فدخول المستقلين إلى الحلبة الانتخابية سيكشف مدى قدرة الأحزاب على تجديد نخبها وتقديم مرشحين يمتلكون المصداقية والشرعية الشعبية. فإما أن ترفع الأحزاب سقف المنافسة بالكفاءة، أو تظل رهينة النمطية التي أفقدتها الكثير من ثقة المواطنين. إنها لحظة حاسمة لاختبار منطق الجدارة داخل الحياة الحزبية.

كما أن هذا التوجه يحمل بعدا تربويا وسياسيا عميقا: فالإصلاح لا يمكن أن يظل رهينة النخب التقليدية، بل يجب أن يصبح ورشا مفتوحا أمام الجميع عبر القنوات الدستورية. الإصلاح لا يُصنع في مواقع التواصل، بل في المؤسسات المنتخبة التي تعكس الإرادة الشعبية. ومن هنا تأتي أهمية توسيع قاعدة التمثيلية، لتشمل الطاقات التي ظلت خارج اللعبة السياسية رغم كفاءتها.

في النهاية، ما نعيشه اليوم هو انتقال من مرحلة التسيير بالنخبة إلى مرحلة التسيير بالكفاءة. فالمطلوب ليس فقط شبابا في البرلمان، بل نُخبا جديدة بفكر مختلف، وبروح خدمة لا بامتيازات. وبهذا المعنى، فإن مبادرة فتح المجال أمام المستقلين الشباب ليست مجرد خطوة انتخابية، بل مشروع وطني لإعادة الاعتبار للعمل السياسي، وإحياء الثقة بين المواطن والدولة عبر جيل يؤمن أن السياسة فعل مسؤولية لا وسيلة نفوذ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

الحموشي يوقع اتفاقية شراكة مع مجموعة “أرغوس” الفرنسية لتعقب السيارات المسروقة

المنشور التالي

باراغواي تفتح قنصلية عامة بالصحراء المغربية

المقالات ذات الصلة