انتخابات 2026: مشاورات في الكواليس ومواطن غائب عن النقاش

أطلقت وزارة الداخلية جولة جديدة من المشاورات مع الأحزاب السياسية بشأن إعداد مشروع لإصلاح المنظومة العامة المؤطرة للانتخابات التشريعية لسنة 2026. هذه اللقاءات التي يفترض أن تحدد ملامح الاستحقاقات المقبلة، تجري خلف أبواب مغلقة وكأن الشأن الانتخابي مجرد قضية تقنية بين الإدارة والأحزاب، فيما يتم تغييب المواطن الذي هو المعني الأول بالعملية الانتخابية.

غياب النقاش العمومي حول مقترحات الأحزاب يثير الكثير من التساؤلات. فهذه المقترحات لا ينبغي أن تبقى في رفوف الوزارة أو في محاضر الاجتماعات، بل من المفترض أن تكون مادة للنقاش العام. قضايا مثل تمثيلية النساء والشباب، وشروط الترشح، ومنع المشتبه في تورطهم في قضايا فساد من دخول المنافسة، وتسجيل الناخبين أو مشاركة مغاربة الخارج، ليست مجرد تفاصيل إجرائية بل رهانات مجتمعية كبرى ترتبط بمستقبل الديمقراطية والعدالة التمثيلية.

المشاركة السياسية لا تختزل في التصويت يوم الاقتراع، بل هي مسار كامل يبدأ من النقاش حول القوانين المنظمة للانتخابات ويمتد إلى متابعة الترشحات ومراقبة نزاهة العملية. إشراك المواطن في جميع هذه المراحل يعزز الثقة في المؤسسات ويمنع الإحساس المتزايد بأن الانتخابات طقس شكلي لا يغير في واقع التمثيل السياسي. ومن هنا يصبح فتح النقاش العمومي مسؤولية مشتركة بين الدولة والأحزاب على حد سواء.

غير أن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق الأحزاب السياسية التي يفترض أن تكون فضاءات للتأطير والحوار العمومي. فإذا كانت هذه الأحزاب تطمح إلى إدارة الشأن العام، فمن واجبها أن تعرض مقترحاتها على المواطنين، وتنظم مناظرات ولقاءات لتوضيح مواقفها، وتفتح الباب أمام مساهمات المجتمع المدني والباحثين والمهتمين. فالديمقراطية لا تعتمد على اجتماعات في غرف مغلقة بقدر ما تقوم على حوار مفتوح وشفاف.

إن التحدي الحقيقي اليوم لا يكمن فقط في تعديل النصوص الانتخابية، بل في إعادة الاعتبار للمواطن باعتباره شريكا أساسيا في صياغة القواعد التي ستحدد مستقبل الحياة السياسية. من دون شفافية ومن دون نقاش عمومي واسع لن يكون ممكنا كسب ثقة الناخبين ولا ضمان مشاركة فعلية في الاستحقاقات المقبلة. إن إشراك المجتمع في هذا النقاش هو المدخل الأساسي لإحياء روح الديمقراطية، بينما استمرار النهج الحالي لن يؤدي إلا إلى مزيد من العزوف واللامبالاة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

عزاء رقمي أم مأزق نفسي؟ التقنية تحيي الراحلين وتعطل التقبل

المنشور التالي

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعترف بالدولة الفلسطينية

المقالات ذات الصلة