من الشاشة إلى الوعي: كيف يصنع الإعلام ثقافة الأجيال؟

بقلم عائشة ايت احيا: طالبة باحثة في الثقافة والإعلام


أصبحنا اليوم نعيش في زمان يتميز عن غيره بالسرعة و الانية ،خاصة مع التقدم السريع للتكنولوجيا . بيد أننا نتفق جميعا على أن الاعلام و الثقافة اليوم أصبحا جزءا لا يتجزأ من حياتنا . فالإعلام كمفهوم يقصد به كل وسيلة تستخدم لنقل المعلومات أو الأخبار من فرد إلى فرد ،أو فرد إلى جهة معينة أو العكس .أما الثقافة فتتعدد المفاهيم ،و يمكن أن ننظر لها من باب أنها أسلوب حياة معين لمجموعة من الأشخاص في أوقات تاريخية مختلفة ،فهي تعبير عن الحياة و ذاكرة الشعب .لكن ما علاقة الإعلام بالثقافة ؟
الإعلام و الثقافة مصطلحين يشكلان جزء من أنشطتنا اليومية التي يصعب علينا التراجع عنها دون التفكير في تأثيرها الكبير في حياتنا ،فمثلا اليوم عدد كبير إن لم نقل الكل لديه هاتف لكن كيفية التعامل معه تنطلق من زاوية الثقافة ،ابتداءا من اختيار اللغة و انتهاءا باختيار المحتوى الذي سيظهر على الفيسبوك ، انستجرام و غيرها .و مما جعل الإعلام يدخل جميع بيوت العالم دون استئذان هو وسائل التواصل الاجتماعي .إذ أن لها تأثير كبير على التبادل الثقافي بين الشعوب أينما حلوا و ارتحلوا .فقدرتها على عبور الحدود الجغرافية أدت الى إزالة حواجز الاتصال التقليدية .حيث يمكن للأشخاص من مختلف البلدان و الثقافات من التواصل بسهولة و مشاركة الخبرات و بناء العلاقات من خلال منصات التواصل الاجتماعي دون الحاجة إلى التواجد جسديا . فالإعلام يسلط الضوء على الثقافة و يجعل لها صوتا في التاريخ و وزنا في العالم.و لا غنى للإعلام عن الثقافة فهي تسد حاجته من المعلومات ، الحقائق ،التقاليد، و الموضوعات ليقوم بتصويرها و نشرها عبر وسائله إلى كل زوايا العالم . فالإعلام مرآة للثقافة ، و الثقافة وقود للإعلام و كلاهما يعتمد على الاخر .من هنا يتولد لدينا مفهوم “الإعلام الثقافي ” و تعرفه اسراء أحمد مصطفى في بحثها الاكاديمي بعنوان “الإعلام الثقافي” أو “الإعلام المتخصص” بأنه إعلام يعالج الأحداث و الظواهر و التطورات الحاصلة في الحياة الثقافية ،و يتوجه أساسا إلى جمهور نوعي معني و مهتم بالشأن الثقافي ، وأحيانا يصادف الجمهور غير المهتم بالثقافة ويجعله مهتما بها .
و هذا النوع لا يكتفي بنقل الأخبار و الأنشطة الثقافية فقط بل يسعى إلى بناء محيط فكري واع سواءا على المستوى الفردي أو الجماعي . ولا يفوتنا بالذكر ،أن انسجام الثقافة مع الإعلام يشكل محيط نفسي ،فكري ،أخلاقي يساهم في تكوين ذات الفرد مع نفسه و في مجتمعه .فمثلا الطفل عندما يولد ،يجد نفسه محاط بأشخاص ذوي خلفيات ثقافية ،في معظم الأحيان تكون مشتركة فقط كل و طريقة ممارسته لها . و تمر السنوات ،و يكبر هذا الطفل و في جعبته ثقافة محيطه التي امتصها بطريقة غير مباشرة و أصبح يطبقها بشكل لا واعي . يصل لسن الرشد ،فيبدأ دور الإعلام في مساعدته في تشكيل و رسم معالم شخصيته ،و يفتح له عدة آفاق من جهة ، و من جهة للإنفتاح و لفهم الثقافات الأخرى . فالإعلام يؤثر بشكل كبيرعلى طريقة عمل العقل و كيف يتعامل مع المعلومات .بناءا على ما سبق ،فإن الإعلام و الثقافة يساهمان في خلق جيل جديد ،بأفكار جديدة ،و عادات و تقاليد تمت صياغتها و إيجادها من خلال تلاقح ثقافات العالم المنتوعة .
و في الختام ،لغة عصرنا اليوم هي الإعلام ،مما أدى بالثقافة لترتقي لتكون ثقافة رقمية مواكبة جيل التكنولوجيا الحديث . وهذه الثقافة تستوجب صقل بعض المهارات في كيفية استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل لتقييم و تنقيح المعلومات لإستخدامها و استثمارها . و تعرفها مؤسسة مدرسة هارينغتون للاتصالات و الإعلام في جامعة رود ايلاند بالولايات المتحدة الأمريكية الدكتورة رينيه هوبس بأنها المقدرة على الوصول إلى الرسائل الإعلامية ،و تحليلها و نقلها بصيغ عديدة و متنوعة .أي معرفة كيفية البحث عن المعلومة بشكل صحيح ،و تحليلها من أجل فهم رسالتها و هدفها ،و بعدها كيفية التعبير عنها بأسلوبنا الخاص .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

هجوم إلكتروني يعطل رحلات في مطارات أوروبية كبرى

المنشور التالي

الذهب يحقق مكاسب للأسبوع الخامس على التوالي

المقالات ذات الصلة