ساكنة أكادير تصرخ.. وصمت الحكومة يوجع أكثر من المرض 

ما جرى في أكادير أمس الأحد لم يكن حدثا عاديا يمكن المرور عليه مرور الكرام، بل كان صرخة عميقة تعبّر عن جرح اجتماعي مفتوح. مئات من المواطنين تجمعوا أمام مستشفى الحسن الثاني، لا بدافع الترف أو التظاهر من أجل التظاهر، وإنما احتجاجا على واقع مرير يعيشونه يوميا داخل فضاء يفترض أن يكون ملاذا للمرضى فإذا به يتحول في أعينهم إلى “مستشفى الموت”. تكرار الوفيات، غياب العناية العاجلة، تأجيل العمليات لأسابيع، ومرضى يفترشون الأرض في قسم المستعجلات، كلها صور تراكمت حتى فجّرت هذا الغضب الجماعي.

في المقابل، المشهد الرسمي ظل جامدا، وكأن الأمر لا يعني الحكومة في شيء. الوزير المسؤول عن قطاع الصحة، الذي بالكاد يظهر في الصورة دون أن يسمع له صوت، لم يتكبد عناء الانتقال إلى المدينة لمعاينة الكارثة عن قرب. الغياب عن الساحة في لحظة كهذه ليس مجرد إهمال بروتوكولي، بل هو رسالة سلبية توحي بأن أرواح الناس يمكن أن تُترك فريسة للإهمال إلى أن يقرر أحدهم الالتفات إليها. إن كان المطلوب أن تمتد هذه الاحتجاجات إلى باقي مستشفيات المملكة حتى يدرك الوزير خطورة الوضع، فذلك سيكون اعترافا صريحا بفشل ذريع في قراءة إشارات الشارع.

التعامل مع قطاع الصحة بمنطق التباطؤ والانتظار أشبه بلعب بالنار. الناس لم يعودوا يحتملون المزيد من الأعذار، ولا يثقون في لجان التحقيق التي لا تُثمر إلا الوعود. ما وقع في أكادير ليس حالة معزولة، بل انعكاس لأعطاب عميقة تضرب المنظومة الصحية في جذورها، من نقص الأطر والتجهيزات إلى غياب رؤية إصلاحية متماسكة. لهذا فإن احتجاج الساكنة لم يكن سوى الإنذار الأول، والكرة الآن في ملعب الحكومة التي إن لم تتحرك بشكل عاجل وفعّال، فإن الأزمة مرشحة للتفاقم والاحتجاج مرشح للاتساع.

المغاربة لا يطلبون المعجزات، بل يطالبون بحق بسيط في العلاج الكريم داخل مستشفيات تحفظ كرامتهم. وحين يُجابَه هذا المطلب بالصمت واللامبالاة، فإن ما يتصدع ليس فقط الثقة في المؤسسات الصحية، بل الثقة في المنظومة ككل. هنا تكمن خطورة ما جرى، وهنا أيضا يظهر حجم المسؤولية التي لم يعد ممكنا التهرب منها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

السلطات الإسبانية تحقق في انفجار غامض هز مبنا سكنيا في مدريد

المنشور التالي

نادية فتاح : المغرب بقيادة الملك ملتزم بتعزيز التعاون جنوب-جنوب والتنمية المشتركة في إفريقيا

المقالات ذات الصلة