منذ سنوات قليلة فقط، لم يكن اسم الماتشا مألوفا خارج حدود اليابان, ففي زمن تتناوب فيه الصيحات الغذائية بسرعة البرق، برز الماتشا كأحد أكثر المشروبات إثارة للجدل والإعجاب معا. هذا المسحوق الياباني الأخضر، الذي ارتبط في الأصل بطقوس تقليدية وروحانية عريقة، تحول اليوم إلى رمز عالمي لنمط الحياة الصحي العصري، وغزا رفوف المتاجر والمقاهي الفاخرة واجتاح فضاءات التواصل الاجتماعي.

المغرب بدوره لم يكن استثناء، إذ لم يتأخر انتشار الماتشا في جذب شرائح واسعة من الشباب والمهتمين بالرشاقة واليقظة الذهنية، الذين وجدوا فيه بديلا لروتين القهوة والشاي الأخضر اليومي. وبين من يراه “إكسيرا” مضادا للأكسدة ومن يعتبره مجرد موجة تجارية عابرة صنعتها الصور البراقة والإعلانات الرقمية، يبقى السؤال مفتوحا: هل الماتشا حقا مشروب سحري بفوائد صحية مثبتة، أم أننا أمام وهم جديد يكرسه بريق الموضة و”ترندات” التيك توك وإنستغرام أكثر مما يثبته العلم؟
الفرق بين الماتشا والشاي الأخضر


وأثناء حواره مع موقع THE PRESS, أوضح أخصائي التغذية والحمية محمد أدهشور أن الماتشا نوع خاص من الشاي، أصله من اليابان، يتميز بجودة عالية ويحضر من أوراق “الكاميليا” مثل الشاي الأخضر العادي الذي نستهلكه يوميا نحن المغاربة، غير أن الاختلاف الأساسي يكمن في طريقة زراعته ومعالجته. فأوراق الماتشا تغطى قبل الحصاد بفترة طويلة، ثم تجفف وبعد ذلك يتم إزالة السيقان والجذور وتطحن الأوراق لاستهلاكها كاملة في شكل مسحوق، بينما يستهلك في الشاي الأخضر المستخلص فقط من نقع الأوراق في الماء الساخن. هذا الفرق يجعل الماتشا أكثر غنى بالمغذيات والفوائد.
فوائد متعددة مثبتة علميا

بحسب الأخصائي، فإن الماتشا غني جدا بمضادات الأكسدة، خصوصا جزيئة إبيغالوكاتشين غالاتي (EGCG)، التي تعمل على تحييد خلايا الجذور الحرة الضارة; (وهي مخلفات ينتجها جسمنا في التفاعلات الفيزيولوجية الداخلية للجسم وينتجها على شكل فضلات تخرب الأنسجة وخلايا الجسم, وهنا يأتي دور مضادات الأكسدة التي تقوم بإقصاء خلايا الجذور الحرة). والماتشا يتكون من تركيز عال من هذه المضادات التي تحمي خلايا الجسم من “خلايا الجذور الحرة”. كما يحتوي على الكافيين بنسب متوازنة تمنح طاقة ذهنية، إلى جانب الحمض الأميني ثيانين (Theanine), منه جاءت كلمة Thé أو TEA أي الشاي, الذي يساعد على الاسترخاء وتقليل التوتر وأيضا يعطي طاقة هادئة.
وتشير الدراسات إلى أن الماتشا يمكن أن يساهم في خفض الكوليسترول الضار والدهون الثلاثية، دعم عملية الأيض “Le métabolisme” وحرق الدهون، تحسين التركيز، وتعزيز المزاج. لذا يعتبر مفيدا لفئات معينة مثل الطلاب والرياضيين والأشخاص الذين يعانون من التوتر المزمن أو الوزن الزائد.
مخاطر الاستهلاك المفرط


ورغم هذه الفوائد، يحذر أدهشور من الإفراط في استهلاك الماتشا، نظرا لاحتوائه على نسبة من الكافيين. فقد يؤدي تناوله بكميات كبيرة إلى الأرق واضطرابات النوم ومشاكل في الجهاز الهضمي، كما قد يعيق امتصاص الحديد إذا استهلك مع الأغذية الغنية به. بالإضافة إلى ذلك، يشير الخبير إلى مخاطر استهلاك كميات هائلة من المعادن الثقيلة مثل الرصاص والألومنيوم التي قد تكون موجودة في بعض الأنواع نتيجة التربة الملوثة, لأننا نستهلك الورقة كاملة مقارنة بالشاي الأخضر العادي الذي نستهلك فيه فقط مكونات ومغديات ورقته, موصيا باختيار الماتشا العضوي لتفادي هذه المخاطر. أما من حيث الكمية، فينصح بعدم تجاوز كوبين في اليوم، أي ما يعادل 3 إلى 4 غرامات فقط.
الماتشا بين الموضة والوعي الصحي

وبشأن الجدل الدائر حول ما إذا كان الماتشا موضة عابرة أم خيارا صحيا واعيا، يرى الأخصائي أدهشور أن انتشار الماتشا ارتبط بشكل كبير بترندات مواقع التواصل الاجتماعي التي روجت له عالميا، ما جعله يصل بسرعة إلى المغرب، حيث لم يكن معروفا من قبل. ومع ذلك، يرى أن الاهتمام به يعكس في جانب منه وعيا صحيا متزايدا لدى فئات من المجتمع، الباحثة عن بدائل طبيعية غنية بالمغذيات ومضادات الأكسدة، حتى وإن كان الماتشا ليس أفضل بكثير من الشاي الأخضر التقليدي المستهلك في المغرب، إذ لا يتجاوز الفرق بينهما 20 إلى 30 في المائة من حيث الفائدة.
هل هو بديل للشاي أو للقهوة؟


يؤكد أدهشور أن الماتشا لا يمكن أن يكون بديلا للشاي الأخضر المغربي، نظرا لتقارب مكوناتهما، إلى جانب أن الشاي الأخضر أكثر اعتدالا وأقل تكلفة. ومع ذلك، يمكن أن يكون الماتشا بديلا مناسبا للقهوة بالنسبة لمن لا يتحملون آثارها الجانبية، خاصة في حالات القلق والتوتر.
جودة الماتشا في الأسواق المغربية

وفي ما يتعلق بجودة الماتشا المتوفر في المغرب، يوضح الأخصائي محمد أدهشور أن معظمه ينتمي إلى الدرجة الموجهة للطهي (Culinary Grade)، وهي أقل جودة من الدرجة الاحتفالية (Ceremonial Grade) المستعملة في الطقوس اليابانية التقليدية والتي تتميز بلون أخضر زاه وطعم خفيف. ويستهلك النوع المتوفر محليا غالبا كمشروب سواء على شكل شاي أو مخفوق حليب رغم أنه موجه في الأصل لإعداد الحلويات والمخبوزات، وهو أقل تركيزا في عناصره الغذائية وأقل تكلفة. ومع ذلك، يبقى مفيدا إذا استهلك باعتدال ومن دون سكر، وهو الشرط الذي يراه الأخصائي ضروريا للاستفادة الحقيقية من فوائده.
بين الحقائق العلمية والموجة التجارية، يظل الماتشا مشروبا ذا قيمة غذائية عالية إذا استهلك بوعي واعتدال. غير أن التهافت غير المدروس على أي “ترند صحي” قد يحول فوائده إلى مخاطر صامتة. فهل سيستقر الماتشا كجزء من العادات الصحية لدى المغاربة، أم سيبقى مجرد محطة عابرة في رحلة البحث الدائمة عن الجديد في عالم التغذية؟