
مع بداية الدخول المدرسي، تتزايد مخاوف وتحديات التلاميذ وهم يستعدون للانتقال من أجواء الراحة والحرية التي ميزت العطلة الصيفية إلى روتين المدرسة وضغط الواجبات. وفي هذه اللحظة المفصلية، تتقاطع مشاعر الحماس والفرح مع القلق والتوتر. وفي تصريح خصّت به موقع THE PRESS، سلطت الأخصائية النفسية عفاف لوديني الضوء على أبرز الصعوبات النفسية التي قد يواجهها الأطفال خلال هذه المرحلة، كما قدمت مجموعة من التوجيهات العملية الموجهة للآباء والتلاميذ على حد سواء.
التوتر الطبيعي وصعوبة الانتقال من العطلة إلى المدرسة

ترى الأخصائية النفسية عفاف لوديني أن أول تحد يواجه التلاميذ عند العودة إلى المدرسة يتمثل في الانتقال المفاجئ من عادة السهر والاستيقاظ المتأخر وفق الرغبة، إلى روتين الانضباط المبكر صباحا والجلوس داخل الفصل ابتداء من الساعة الثامنة. وتؤكد أن التوتر الذي قد يشعر به بعض التلاميذ أمر طبيعي، لكنه يحتاج إلى تهيئة تدريجية قبل أسبوع أو أسبوعين من الدخول المدرسي، من خلال تنظيم مواعيد النوم والاستعداد النفسي.

وتوضح لوديني أن التلاميذ عادة ما ينقسمون إلى فئتين: فئة متحمسة للقاء الأصدقاء وخوض تجارب جديدة، وأخرى تعاني من الرهاب الاجتماعي أو مخاوف مرتبطة بالتنمر. وهنا تبرز الحاجة إلى متابعة أسرية مبكرة، تقوم على الحوار الإيجابي والهادئ داخل البيت، بعيدا عن تهويل المخاوف أو بث التوتر، من أجل فهم مصدر القلق سواء كان مرتبطا بالزملاء أو بالأساتذة.
أما بالنسبة للأطفال الذين يلتحقون بالمدرسة لأول مرة، فتشير الأخصائية إلى أن صعوبة الانفصال عن الأجواء العائلية قد تترك أثراً عاطفيا قوياً، وهو ما يتطلب مواكبة خاصة تراعي الجانب النفسي والعاطفي للطفل.
كيف يساعد الآباء أبناءهم على التأقلم؟

تعتبر لوديني أن استعداد الأسر للعودة المدرسية لا ينبغي أن يقتصر على اقتناء الكتب والدفاتر فقط، بل يجب أن يشمل إشراك الأبناء في هذه التحضيرات. فاختيار المحافظ والملابس بما يتناسب مع ذوقهم، وضبط مواعيد النوم تدريجيا، كلها خطوات تساعد على تقبل التلميذ للعودة إلى المدرسة بسلاسة. وتنبه لوديني إلى خطورة اعتماد خطاب سلبي مليء بالتحذير والضغط، مشددة على ضرورة تحويل لحظة الدخول المدرسي إلى فرصة للنقاش الإيجابي والطمأنة بدلا من التخويف أو تضخيم الأمور.
الخوف من المدرسة: علاج قبلي لا آني

أما عن التغلب على الخوف من المدرسة أو مواجهة أصدقاء جدد، فتشدد الأخصائية على أن الأمر لا يتم في ليلة واحدة، بل عبر عمل قبلي يجعل المدرسة مكانا مرحبا وآمنا للطفل. وتقترح أن يلتقي التلاميذ بأصدقائهم المقربين خارج أسوار المدرسة قبل الدخول، في نزهة أو نشاط مشترك، مما يسهل عليهم العودة إلى الفصل بروح إيجابية. كما تؤكد على أهمية الموازنة بين وقت الدراسة والأنشطة الترفيهية حتى لا تتحول المدرسة إلى عبء.
التحفيز والمتابعة: بدون مقارنات وضغوط

تلفت الأخصائية إلى أن التحفيز يجب أن يكون بعيدا عن المقارنة بالآخرين أو فرض توقعات مبالغ فيها، معتبرة أن لكل طفل قدراته ومساره الدراسي الخاص. وتؤكد أن ربط قيمة الطفل بنتائجه الدراسية خطأ كبير ينعكس سلبا على ثقته بنفسه.
وتضيف أيضا: “الأفضل أن تكون المتابعة في جو مرح وهادئ، سواء من طرف أحد الوالدين أو شخص آخر يساعده على إنجاز واجباته بعيدا عن العتاب والانتقاد المستمر، حتى لا يتحول وقت الواجبات المدرسية إلى ساحة صراع داخل البيت”.
المدرسة ليست فقط مكانا للتحصيل

وفي رسالتها الختامية، تؤكد عفاف لوديني أن المدرسة ليست فقط فضاء للتعلم، بل أيضا مكان يعيش فيه الطفل سنوات حاسمة من حياته الاجتماعية والنفسية. وتقول: “الدراسة مهمة لتحقيق الذات، لكن لا ينبغي أن نحولها إلى سبب للخلاف أو الضغط على أبنائنا. قد يرسب الطفل أو يختار توجها مختلفا وبعيدا عن توقعاتنا أو رغباتنا، وهذا طبيعي، فالأهم هو الثقة فيه والحفاظ على العلاقة الأسرية السليمة”.
وتشدد على أن الأهم هو أن يبقى الدخول المدرسي تجربة إيجابية، تبنى فيها شخصية الطفل وتتعزز ثقته بنفسه، بعيدا عن ضغوط المقارنات أو الصراعات داخل البيت.