بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد، الذي يخلّد تربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله على عرش أسلافه، يبرز من جديد عمق ومتانة العلاقات التي تجمع بين المملكة المغربية وجمهورية كوت ديفوار، باعتبارها واحدة من أبرز الشراكات المغربية في القارة الإفريقية. علاقات تمتد لسنوات، وتتجدد باستمرار على أساس التعاون والتضامن والاحترام المتبادل، في إطار رؤية مشتركة تقوم على التعاون جنوب–جنوب والتنمية المشتركة.
في هذا السياق، شهدت مدينة العيون في 17 يناير 2025 محطة دبلوماسية بارزة، حيث احتضنت اجتماع اللجنة المشتركة المغربية–الإيفوارية، أكدت فيه كوت ديفوار من جديد دعمها الثابت للوحدة الترابية للمملكة المغربية، ومساندتها لمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الحل الواقعي والجاد للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية. وقد شكل هذا الموقف امتدادًا طبيعياً لسياسة الدعم العلني التي تجسدها القنصلية العامة لكوت ديفوار في العيون، باعتبارها رمزًا ملموسًا لهذا الالتزام السياسي.

وعلى المستوى الاقتصادي، احتضنت العاصمة الإيفوارية أبيدجان، في ماي 2025، منتدى اقتصاديًا هامًا جمع مستثمرين ومؤسسات اقتصادية من البلدين على هامش قمة Africa CEO Forum. وقد شكّل هذا اللقاء فرصة لتعميق التعاون في قطاعات الاقتصاد الرقمي، الطاقة النظيفة، البنية التحتية، والتكنولوجيا، بالإضافة إلى بحث الشراكات الممكنة في إطار تحضيرات المغرب لتنظيم كأس العالم 2030.

في السياق نفسه، شكّل المنتدى الاقتصادي المغربي–الإيفواري، المنعقد في ماي 2025 على هامش Africa CEO Forum، محطة بارزة لتوقيع أكثر من 24 اتفاقية تعاون في مجالات متعددة شملت التمويل، السكن الاجتماعي، البنية التحتية، التعليم، والطاقات المتجددة. وقد عكست هذه المبادرات إرادة البلدين في بناء اقتصاد تكاملي يقوم على مشاريع مشتركة، بمساهمة فعّالة من القطاع الخاص والمؤسسات المالية الكبرى.
وتعزيزًا لهذا التوجه، تم في الثلاثاء 8 يوليوز 2025 توقيع اتفاقية تعاون بين الخطوط الملكية المغربية وغرفة التجارة والصناعة الإيفوارية، تهدف إلى تخفيض تكلفة تذاكر السفر لرجال الأعمال الإيفواريين بنسبة تصل إلى 20٪. هذه الخطوة ساهمت في تسهيل تنقل الفاعلين الاقتصاديين بين البلدين، ودعم دينامية التبادل التجاري والاستثماري على مستوى القطاع الخاص.

في السياق ذاته، واصل التعاون الثنائي تطوره ليشمل المجال العسكري، حيث تم توقيع اتفاقية شراكة في الرباط في 9 ماي 2025 بين القوات المسلحة المغربية ونظيرتها الإيفوارية. الاتفاق شمل جوانب متعددة مثل التدريب، الصحة العسكرية، وتبادل الخبرات، ويأتي في سياق تعزيز الأمن الإقليمي ومواجهة التحديات المشتركة في منطقة غرب إفريقيا.

في قلب السياسة الدينية التي يقودها جلالة الملك محمد السادس، أمير المؤمنين، يبرز “معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات” كأداة استراتيجية لتأطير الحقل الديني داخل المغرب وخارجه، وخاصة في إفريقيا جنوب الصحراء. فقد استقبل المعهد منذ تأسيسه المئات من الأئمة والمرشدين القادمين من دول صديقة، وفي مقدمتها كوت ديفوار، الذين يتلقون تكوينًا علميًا وروحيًا رصينًا مبنيًا على الفقه المالكي، العقيدة الأشعرية، والتصوف السني المعتدل. هذا التأطير لا يعزز فقط مناعة المجتمعات الإفريقية ضد الفكر المتطرف، بل يُجسد أيضًا بعدًا روحيًا عميقًا في العلاقات المغربية الإفريقية، حيث يتحول الدين من مجال داخلي إلى جسر تواصل حضاري وإنساني بين الشعوب.

لم تعد العلاقة بين الرباط وأبيدجان مجرد تواصل دبلوماسي، بل أصبحت تحالفًا متعدد الأبعاد يجمع بين ما هو اقتصادي وروحي، ثقافي واستراتيجي. فمن خلال الحضور المتزايد للمؤسسات البنكية والخدماتية المغربية في كوت ديفوار، إلى تكوين الأئمة والمرشدين الدينيين الإيفواريين في المغرب، يتجسد على الأرض نموذج من الشراكة الإفريقية المتجددة، التي يطبعها الاحترام المتبادل والتكامل الحقيقي. إن هذا النموذج، الذي يحمل بصمة جلالة الملك، يؤكد أن المغرب لا يكتفي ببناء علاقات سياسية، بل يزرع أسس مستقبل مشترك ينطلق من الإنسان الإفريقي أولًا.