تشهد ألمانيا تحديا متسارعا في سوق العمل يتمثل في نقص حاد في الكفاءات المهنية، مع توقعات بزيادة هذا العجز خلال السنوات القليلة المقبلة. ويعزى ذلك أساسا إلى تقاعد أعداد كبيرة من جيل “طفرة المواليد”، مما يترك فجوات شاسعة في قطاعات حيوية مثل التعليم، الصحة، الرعاية الاجتماعية، والتجارة. ووفق دراسة حديثة صادرة عن معهد الاقتصاد الألماني، يتوقع أن يبلغ عدد الوظائف الشاغرة بسبب نقص المؤهلات حوالي 768 ألف وظيفة بحلول عام 2028، مقارنة بـ487 ألف وظيفة في عام 2024.
هذا النقص لا يرتبط فقط بعوامل ديموغرافية، بل يعكس أيضا تحديات هيكلية في سوق العمل الألماني، تتطلب تدخلا عاجلا لإعادة التوازن. وحسب مصادر إعلامية فقد شدد معدو الدراسة، وعلى رأسهم الباحث يوريك تيدمان، على أهمية تطوير سياسات التوجيه المهني في المدارس، وتحفيز الألمان على تمديد فترات عملهم، إلى جانب تسريع إجراءات استقطاب العمالة الأجنبية المؤهلة وتبسيطها. وتشير هذه السياسات إلى تغير جوهري في رؤية ألمانيا لدور الهجرة في دعم اقتصادها وتماسكها الاجتماعي.
وفي هذا السياق، تبرز العمالة المغربية المؤهلة كطرف رئيسي يمكنه الاستفادة من هذا التحول، والمساهمة في تلبية الحاجيات الملحّة للسوق الألمانية. فحاملو الشهادات التقنية والدبلومات المهنية في المغرب، خصوصا في مجالات التمريض، رعاية المسنين، الصناعات التقنية، والتعليم، يمتلكون المؤهلات المطلوبة، ويمكنهم الاندماج بسلاسة بفضل اللغة، والخبرة، ووجود جالية مغربية نشطة في ألمانيا تمثل شبكة دعم طبيعية.
وتشكل هذه الظروف فرصة ثمينة لبناء مسارات مهنية مستقرة في دولة ذات بنية اقتصادية قوية ونظام اجتماعي متطور. فبينما تبحث ألمانيا عن حلول مستدامة لأزمة نقص اليد العاملة، يجد العديد من المغاربة أمامهم أفقا مفتوحا للعمل والتطور، في تجربة قد تعود بالفائدة على الأفراد وعلى علاقات التعاون الاقتصادي بين البلدين.