هناك مؤشرات لا تخطئ، فعندما يسعى منتخب وطني إلى إخفاء شعار من على شارة أو طمس صورة خلال بث رسمي، فإننا لا نكون أمام مشهد رياضي، بل أمام عرض مرضي مقلق. ومؤخراً، وجهت الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم تحذيراً إلى الاتحاد الجزائري بسبب هذه الممارسات العبثية. الأمر لا يقتصر على كونه سلوكاً صبيانياً، بل يكشف عن حقيقة أعمق: كراهية ممنهجة للمغرب، شبه مرضية، تُغذى على أعلى مستويات الدولة الجزائرية. لم تعد هذه الهوسات تعبيراً عن رفض الآخر، بل أصبحت تجلياً لانحراف سلطة لم تعد قادرة على بناء رؤيتها خارج إطار إنكار وجود المغرب.
قد يمكن للمرء أن يغضب مرة أخرى، أو يتحسر على فرصة ضائعة جديدة في هذه الحرب الباردة العبثية بين شعبين شقيقين، لكن لم يعد ذلك مجدياً. حان الوقت لإعادة التموضع، للابتعاد خطوة إلى الوراء، وتأمل الزمن البعيد. والحصيلة قاسية: هذه القصة تسير نحو نهاية مؤلمة. فبعد ثلاثين سنة، إذا لم يتغير شيء، سيكون المغرب قد مضى قُدُماً، بينما تكون الجزائر قد حبست نفسها في طريق مسدود.
فلنأخذ ثلاث نقاط محورية: قضية الصحراء، الحدود، والاقتصاد. في كل واحدة منها، يبدو المستقبل مرسوماً بوضوح.
أولاً، الصحراء: المشهد الجيوسياسي بات جلياً: سيادة المغرب تزداد اعترافاً دولياً. وبحلول 2028، سيكون الملف قد تم غلقه نهائياً. القوى الكبرى ستُقر بما يفرضه الواقع الميداني منذ سنوات، والقضية، بدلاً من أن تُحسم لصالح الجزائر، ستمحى ببساطة من الأجندات الدولية. الجزائر ستكون قد أهدرت مليارات، ونسفت علاقاتها الإقليمية، وأعاقت تنميتها.. من أجل لا شيء. معركة أيديولوجية خاسرة سلفاً، ووهم مجد في معركة لم يكن لها لزوم.
ثانياً، الحدود: هل يمكن لعاقل أن يصدق بأن بلداً ما قد يعيش في عزلة تامة حتى عام 2055؟ العالم يتحول بوتيرة مذهلة: الذكاء الاصطناعي، الانتقال الطاقي، إعادة تشكيل التجارة العالمية.. كلها ثورات لن يكون للجزائر موطئ قدم فيها دون اندماج إقليمي. ومهما ظن رجال الحكم اليوم، فهم راحلون لا محالة — ليس بحكم قناعاتهم، بل لأن دورة الحياة لا ترحم. لا أحد يحكم إلى الأبد. وسيأتي خلفهم، من هم أقل ارتباطاً بأوهام الحرب الباردة، ولن يجدوا أمامهم خياراً سوى فتح الأبواب. لأن العزلة، ببساطة، صارت انتحاراً استراتيجياً في عالم لم تعد فيه الترابطات خياراً، بل شرطاً للبقاء.
ثالثاً، الاقتصاد: فمنذ تولّي عبد المجيد تبون السلطة، غرقت الجزائر في نموذج جامد للدولة، تهيمن عليه الخطابات العدائية، وقوانين الانغلاق، وسياسات الانكماش. وفي المقابل، يمضي المغرب قدماً: يجتذب الاستثمارات، ويطور صناعته، ويُحدث بناه التحتية، وينفتح على القارة الإفريقية. التباين صار صارخاً. بلدَان متجاوران، لكن خياراتهما تسير في اتجاهين متعاكسين تماماً. والنتيجة الحتمية: طريقان لا يلتقيان — أحدهما يراهن على المستقبل، والآخر يرفضه بإصرار.
السؤال الحقيقي، والوحيد الذي يستحق الطرح، هو: إلى متى سيواصل النظام الجزائري التضحية بمستقبل شعبه من أجل عداوة عقيمة؟ إلى متى سيستمر النفط والغاز في إخفاء الفشل؟
ما يجري هنا ليس نزاعاً حدودياً، بل إهداراً مأساوياً لفرصة أن تكون الجزائر قوة حقيقية. وإلى أين؟ إلى هاوية حلم عبثي بتفكيك مملكة عريقة. انتحار تاريخي سيدفع ثمنه الأبرياء من أجيال لم تختر هذا المسار.