التسويق عبر المؤثرين: هل يخدم المنتخب الوطني أم يشتّت مساره؟ 

بعد الإنجاز البطولي في مونديال قطر، حيث كتب المنتخب المغربي فصلاً جديداً في تاريخ كرة القدم العالمية، لم تعد صورة المنتخب في حاجة إلى مساحيق خارجية أو حملات ترويجية مصطنعة. الجمهور المغربي، والعالمي كذلك، آمن بهذا المنتخب لأنه رأى فيه روحًا جماعية حقيقية، انضباطًا نادراً، وشخصية ميدانية استثنائية. ومع ذلك، اختارت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم أن تستمر في استراتيجية تواصلية تضع المؤثرين في قلب المشهد، كما لو أن المنتخب مشروع تسويق، لا مشروع رياضي.

ما الذي يربحه المنتخب من مؤثرين يطوفون بمحيطه، يحملون هواتفهم في كل الاتجاهات، يحصّنون محتوى شخصياً لا يخدم سوى قنواتهم، ويحوّلون التربصات إلى مشاهد استعراضية؟ أغلب هؤلاء لا خلفية لهم في الرياضة، ولا قدرة لهم على تقديم قراءة فنية أو تحليل واقعي، بل يكتفون بالتقاط الصور والحديث عن “الأجواء”، في حين أن المعسكر الإعدادي يجب أن يكون مجالاً للتركيز والانضباط فقط.

اليوم، المغرب يستعد لتنظيم منافسات كبرى، والجامعة ربما تعتقد أن تسويق هذه الأحداث يحتاج إلى أصوات عالية وتأثير افتراضي. لكنها تغفل أن هذا البلد، ومنتخبه تحديدًا، لم يعد بحاجة لمن يسوّقه: “بايع راسو”. الجماهير في أقصى إفريقيا وآسيا تحفظ أسماء اللاعبين، تتغنى بشجاعة بونو، وهدوء حكيمي، ولمسات دياز، دون أن يحتاجوا إلى “فيلترات” أو “ستوريهات”. المنتخب اليوم أكبر من أن يكون ديكورًا لحملة ترويجية.

الرهان الحقيقي الآن هو كأس أمم إفريقيا، والتتويج بها لن يتحقق بالكاميرات التي تلاحق اللاعبين إلى المسبح أو المطعم. الفوز يتحقق بتهيئة الظروف النفسية والرياضية، وبإبعاد كل ضجيج لا لزوم له. هؤلاء اللاعبون لا يحتاجون إلى جمهور افتراضي، بل إلى راحة ذهنية وتركيز مطلق. يجب أن “نعطيوهم التيقار”، ونفهم أن هذا المنتخب ليس مساحة للفرجة، بل مشروع رياضي جاد يستحق الاحترام لا الاستعراض.

الجامعة مطالَبة اليوم بمراجعة خياراتها. التواصل لا يعني الاستعراض. الصورة لا تصنعها عدسة مؤثر، بل أداء منتخب. والسؤال الجوهري يجب أن يكون: من يخدم من؟ هل المنتخب في خدمة المؤثرين، أم المؤثرون في خدمة المنتخب؟ ما نراه حاليًا يوحي بالإجابة، ولسوء الحظ، ليست في صالح المنتخب.

الإنجاز يُبنى في الصمت، والبطولات تحصدها الفرق المركّزة، لا الفرق المحاطة بعدسات هاتفية لا تهدأ. إذا كانت الجامعة جادة في حلم التتويج القاري، فعليها أن تدرك أن المعركة المقبلة ليست معركة “مشاهدة”، بل معركة فوز لإبقاء الكأس القارية في المغرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

”ليكيب” تكشف ممر سري داخل مقصورة VIP بملعب طنجة

المنشور التالي

الزيات يعود لرئاسة الرجاء الرياضي بعد تفوقه في اقتراع حاسم

المقالات ذات الصلة