افريقيا: الآيفون، مرآة التناقضات الاجتماعية والاقتصادية في القارة!

إنه تصنيف قد يثير دهشة أولئك الذين لا يعرفون تماماً تعقيدات الواقع الإفريقي: ساحل العاج، جنوب السودان، وغامبيا من بين الدول الإفريقية التي تسجل أعلى نسب من مستخدمي هواتف الآيفون. وعلى النقيض من ذلك، نجد أن كينيا ونيجيريا وأوغندا – وهي دول يُنظر إليها تقليدياً على أنها محركات للتقدم التكنولوجي في القارة – تُظهر معدلات امتلاك متواضعة لهواتف الهواتف الذكية الراقية. هذا التوزيع غير المتوقع يكشف في طياته عن أمور عميقة تتعلق بالتراتبيات الاجتماعية، والطموحات الجمعية، والتفاوتات الاقتصادية المتعايشة في إفريقيا.

ففي المجتمعات الإيفوارية أو الغامبية، لم يعد الآيفون مجرد أداة تكنولوجية، بل تحول إلى رمز للتميّز الاجتماعي. إنه شعار للصعود الطبقي، والحداثة، والانتماء إلى نخبة حضرية عالمية، ويجسد تصوراً للنجاح تغذّيه وسائل التواصل الاجتماعي، وأدوار الشتات، وسرديات الاقتصاد غير الرسمي. بل وحتى في أوضاع هشّة كما هو الحال في جنوب السودان، تجد هاتف الآيفون متداولاً داخل بعض الدوائر، مدفوعاً بتدفقات الريع النفطي، وتحويلات المغتربين، ومنطق الوجاهة الاجتماعية الذي يتجاوز واقع البلد.

أما في المقابل، فقد نشأت في نيجيريا وكينيا ثقافة رقمية أكثر واقعية وبراغماتية. فهذه الأسواق النشطة تفضّل العلامات التجارية ذات الأسعار المعقولة مثل Tecno وItel وXiaomi، وهي شركات فهمت احتياجات جمهور شاب، متصل، ويبحث عن ميزات عملية: كعمر البطارية الطويل، والتوافق مع خدمات الدفع عبر الهاتف، وسرعة الوصول إلى الإنترنت. هنا، لا ترتبط الابتكارات التكنولوجية بمظاهر التفاخر، بل تتجذر في الاستجابة للواقع الاقتصادي وأنماط الاستخدام المحلية.

وهكذا، ترسم جغرافيا الهواتف الذكية خريطةً ضمنية للتوتر القائم بين الاقتصاد الفعلي واقتصاد المظاهر. ففي بيئات تطغى عليها التفاوتات، قد تصبح حيازة هاتف الآيفون بمثابة استراتيجية لتحقيق الظهور الاجتماعي، حتى وإن أخفت خلفها هشاشة بنيوية. إنها شكل من “الاستهلاك الرمزي”، حيث تغلب الصورة المعلنة أحياناً على منطق الاستثمار المستدام أو الجدوى الاقتصادية. ويؤدي هذا السلوك إلى تفاقم التبعية للمنتجات المستوردة، واستنزاف العملات الصعبة، وتعميق العجز التجاري في دول تعاني أصلاً من هشاشة مالية.

فالهاتف الذكي، إذن، ليس مجرد مؤشر استهلاكي، بل هو مرآة تعكس الديناميكيات العميقة للقارة: بين حداثة منشودة وانقسامات قائمة، بين شمول رقمي وخداع تقدّمي. ومن خلال هاتف الآيفون، تنطق الأحلام الإفريقية، والتناقضات الكامنة، والحاجات الملحة — ما يدعونا إلى تفكير أكثر عمقا في معنى “الاتصال” الحقيقي في هذا السياق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

تبرئة “ديدي”من تهم الاتجار و الابتزاز.. وإدانته بتهم الدعارة

المنشور التالي

شيكابالا يودع الملاعب…والزمالك يحجب القميص رقم 10 تكريما له

المقالات ذات الصلة