“تالوكاندت”: حين تعيد الثقافة روح سوس إلى الواجهة

في مشهد ثقافي كثيرًا ما تطغى عليه النماذج الجاهزة والمكررة، جاءت هذه الاحتفالية الصاخبة بالفن الأمازيغي والتعبيرات الشعبية المحلية لتفرض نغمتها الخاصة، المفعمة بالفرح، المتجذرة في الهوية، والمنفتحة بحرية كاملة. لم يكن “تالوكاندت” مجرد موعد فني، بل كان بمثابة نسمة نقية تتسلل إلى مدينة لا تزال تبحث عن ملامحها الثقافية، ودعوة حقيقية للعودة إلى روح سوس العميقة.

وراء هذه المبادرة، يبرز اسم واحد: سعيد مطيع (على يسار الصورة)، ذلك الصانع المتفاني في المشهد الثقافي المحلي، الذي يحمل هذا المشروع على عاتقه بإيمان لا يلين. في سياق غالبًا ما يكون قاسيًا، حيث نُدرة الدعم المؤسساتي وثقل التحديات اللوجستية، يواصل سعيد مسيرته بإصرار يبعث على الإعجاب. إنه ليس مجرد منظم، بل هو جسر إنساني، رجل لا يزال يؤمن أن الثقافة قادرة على الجمع، على الإيقاظ، وعلى تضميد الجراح الخفية التي تثقل مجتمعاتنا.

ما يجعل “تالوكاندت” فريدًا بهذا الشكل، هو قدرته على خلق روابط حقيقية بلا تصنّع، وإيقاظ الذاكرة الجماعية دون السقوط في فلكلور ميت. هناك، يلتقي عازفو الشارع، الحكّاؤون، فنانو الغرافيتي الشباب، وحملة التقاليد المنسية، في أجواء من المشاركة الصادقة. وهذا الخليط المبهج هو سر نجاح المهرجان الحقيقي: فسح المجال أمام من لا يُسمَع صوتهم، وبثّ الحياة في ثقافة غالبًا ما وُضعت على الهامش.

إن “تالوكاندت” لا يستحق مجرد نظرة عابرة؛ بل يستحق التزامًا حقيقيًا. فمثل هذه المبادرات لا تقوم إلا بفضل شخصيات من طينة سعيد مطيع، الذين رغم الإرهاق، وضيق الموارد، وكثرة العوائق، يواصلون إشعال الشعلة. في بيئة تُهمَّش فيها الثقافة لصالح أولويات أخرى، يشكّل هؤلاء المقاومون الصامتون الحراس الحقيقيين لذاكرتنا الجمعية. وقد آن الأوان أن يُعترف بعملهم، ويُحتفى بهم بما يليق بقيمتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

الرباط تحتضن المؤتمر التأسيسي للمجلس البرلماني الآسيوي-الإفريقي

المنشور التالي

الأساتذة المبرزون يحتجون مجددا: اعتصام وطني للمطالبة بنظام أساسي وإنصاف مهني

المقالات ذات الصلة