في بلد يحارب الإرهاب بنجاح عبر مقاربة أمنية استباقية متقدمة، يبدو الخبر صادمًا: فتاة في ربيعها الحادي والعشرين، طالبة تتابع دراستها في معهد تقني، تقع في قبضة المكتب المركزي للأبحاث القضائية، بتهمة التخطيط لعملية إرهابية خطيرة في قلب العاصمة.
هذه ليست مجرد حالة أمنية، إنها صدمة مجتمعية. كيف لفتاة في مقتبل العمر، يفترض أن تكون منشغلة بمستقبلها، أن تتحول إلى مشروع قاتل؟ وكيف لعقلها، رغم كل ما توفره المدرسة والجامعة والمنصات الرقمية من معارف، أن يُستلب من قبل آلة الظلام، ويصبح أداة محتملة للدمار؟
ما كشفت عنه التحقيقات يبعث على القلق، الشابة انخرطت، حسب البلاغ الرسمي، في الإعداد الفعلي لهجوم إرهابي، بل اكتسبت خبرات في تصنيع المتفجرات والسموم، وكانت تستهدف منشأة دينية في الرباط. كما جرى توقيفها بناءً على تنسيق دقيق بين المخابرات المغربية والفرنسية، في عملية تعكس نجاعة التعاون الأمني الدولي، لكنها في الآن ذاته تفضح خللًا داخليًا صامتًا: من استدرج هذه الشابة؟ من ملأ الفراغ القيمي والمعنوي في حياتها؟ وأين كنا جميعًا؟
لسنا هنا أمام “ذئب منفرد” فقط، بل أمام صرخة استغاثة دفينة لم تسمعها الأسرة، ولا المدرسة، ولا المجتمع. هذا النوع من التطرّف لا يولد من فراغ، إنه في الغالب نتيجة لتراكم هشاشة فكرية، وحدة شعور بالعزلة، وربما انكسارات وجدانية لم تجد من يحتويها. وعندما يعجز المجتمع عن توفير المعنى، يبحث الشباب عنه في أكثر الأيديولوجيات عنفًا وعبثًا.
إنّ هذه الحادثة ليست فقط مناسبة للثناء على كفاءة أجهزتنا الأمنية، بل لحظة صدق مع أنفسنا كمجتمع. علينا أن نسأل: هل نُصغي بما يكفي لشبابنا؟ هل نوفر لهم فضاءات آمنة للتعبير والبحث والنقاش؟ هل تعالج منظومتنا التربوية أسئلة الهوية والانتماء، أم تكتفي بتلقين جاف لا يصمد أمام عنف الخطاب الداعشي على الإنترنت؟
في كل حالة توقيف لمتطرف شاب، نحن نخسر شيئًا من أمننا المجتمعي. المعركة ضد الإرهاب ليست فقط في المختبرات الجنائية، بل في المدارس، في دور الشباب، في المساجد، في المنصات الرقمية، وفي أحاديثنا اليومية مع أبنائنا وبناتنا.
لقد حان الوقت لأن تتحول المقاربة الأمنية إلى مقاربة مجتمعية شاملة، وأن نربح عقول الشباب وقلوبهم، قبل أن يربحها التطرف.
وإن كانت يد الدولة قوية في مواجهة القنابل، فلتمدّ يدها الأخرى إلى تلك الأرواح قبل أن تنفجر.