في خطوة تعد الأولى من نوعها، وضعت الحكومة المغربية اللمسات الأخيرة على مشروع قانون جديد يهدف إلى تنظيم سوق الإعلانات الرقمية، التي تستحوذ اليوم على أكثر من 80% من ميزانيات التسويق في البلاد. وجاء هذا المشروع بعد سلسلة مشاورات داخل لجنة تقنية حكومية، ويسعى إلى تأطير قطاع ظل لفترة طويلة خارج الرقابة، في ظل هيمنة ملحوظة لمنصات عالمية مثل “فيسبوك” و”يوتيوب” و”تيك توك”، التي تشتغل داخل التراب الوطني دون أي التزام قانوني داخلي.
ويرتكز مشروع القانون على إلزام الشركات الرقمية الأجنبية بتعيين ممثل قانوني مقيم في المغرب، يتولى التنسيق مع السلطات المختصة ويقدم تقارير دورية عن الأنشطة الإشهارية الموجهة للسوق المحلية. كما يمنح الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري صلاحيات موسعة لمراقبة الإعلانات والمحتويات الرقمية، حتى في حال عدم وجود مقر فعلي لهذه المنصات داخل البلاد. وينتظر أن يشكل هذا الإطار القانوني أداة جديدة لضبط سوق يشهد نمواً متسارعاً، بما يضمن شفافية التعاملات وحماية المتلقي الرقمي.
وفي خلفية هذا التوجه، تسعى الرباط إلى محاكاة التجربة الأوروبية، لا سيما قانون الخدمات الرقمية (Digital Services Act)، من أجل ضمان العدالة الجبائية، وتنظيم الإعلانات الموجهة، والحد من الأخبار الزائفة وخطابات الكراهية، فضلاً عن فرض شفافية أكبر على الخوارزميات التي تتحكم في عرض المحتوى الإشهاري. ويأتي كل ذلك في سياق أوسع لتعزيز السيادة الرقمية الوطنية، وضمان حماية فعالة للمعطيات الشخصية للمستخدمين المغاربة.
غير أن هذا التوجه لم يمر دون إثارة الجدل, ففيما رحب البعض بالقانون كخطوة ضرورية لضبط السوق وحماية المستهلك، أعرب آخرون عن تخوفهم من أن يتحول إلى أداة للرقابة قد تحد من حرية التعبير وتقيد الإبداع الرقمي. هذه التخوفات تتقاطع مع السياق الدولي العام الذي يشهد نقاشاً محتدماً حول حدود تنظيم الفضاء الرقمي دون المساس بالحريات الأساسية.
وأمام هذه الانقسامات، يطالب عدد من الفاعلين الرقميين بإطلاق مشاورات موسعة تشمل المنصات الرقمية، وهيئات المجتمع المدني، والخبراء القانونيين، من أجل التوصل إلى صيغة متوازنة تضمن التنظيم دون التضييق، وتُرسخ بيئة رقمية آمنة وعادلة ومنفتحة في آن واحد.