منذ استبعادها من المنافسات الدولية عقب غزوها لأوكرانيا في فبراير 2022، لجأت روسيا إلى استراتيجية بديلة لتعزيز حضورها على الساحة العالمية من خلال “الدبلوماسية الرياضية”، خاصة في القارة الإفريقية. وفي هذا السياق، احتضن ملعب “لوجنيكي” بموسكو في 6 يونيو الجاري مواجهة ودية جمعت المنتخب الروسي بنظيره النيجيري، في استمرار لسلسلة من المباريات مع منتخبات إفريقية، بعدما استضافت موسكو منتخبي الكاميرون وزامبيا في وقت سابق.
هذه المواجهات ليست مجرد أحداث رياضية، بل تجسد توجهاً سياسياً واضحاً. فروسيا، التي وجدت نفسها معزولة عن المنتخبات الأوروبية، فتحت أبوابها لمنتخبات من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، خاصة تلك التي تربطها بها علاقات دبلوماسية أو مصالح مشتركة. ووفق مصدر من الفيفا، فإن أغلب الاتحادات الأوروبية ترفض مواجهة روسيا مخافة التورط في دعم ضمني لموسكو، مما دفعها للبحث عن حلفاء خارج القارة العجوز.
وتكشف المعطيات أن أغلب هذه اللقاءات تتم في إطار تنسيق يتجاوز العلاقات الرياضية. فعلى سبيل المثال، سبقت مباراة الكاميرون في أكتوبر 2023 محادثات دبلوماسية بين وزارتي خارجية البلدين، وهو ما تكرر أيضاً مع نيجيريا بعد لقاء جمع وزير خارجية هذا البلد بنظيره الروسي سيرغي لافروف. وتؤكد هذه الخطوات أن روسيا تعتمد الرياضة كأداة لتعزيز روابطها مع أنظمة سياسية صديقة، خاصة في ظل تراجع النفوذ الغربي في مناطق عدة من القارة.
ولم تقتصر المساعي الروسية على كرة القدم، إذ بدأت موسكو في توسيع نشاطها الرياضي ليشمل مجالات أخرى، مثل الملاكمة والتعاون الأولمبي. ففي نيامي، عاصمة النيجر، نُظّمت مؤخراً دورة تدريبية بمناسبة الذكرى الـ80 لنهاية الحرب العالمية الثانية، استفاد منها شباب من خلال تدريبات على يد خبراء روس، في إطار شراكة بين منظمات روسية ومحلية.
وفي الوقت الذي تستعد فيه دول إفريقية لاستضافة أو المشاركة في منافسات إقليمية، تسعى موسكو إلى توسيع دائرة تعاونها عبر دعوات متبادلة وتنظيم مباريات ودية، كما هو الحال مع اهتمام اتحاد جنوب القارة (كوسافا) باستضافة المنتخب الروسي مستقبلاً. هذا التوجه يُعد استكمالاً لجهود تبذلها روسيا في دول مثل مالي وناميبيا وإيسواتيني لعقد شراكات أولمبية ورياضية أوسع.
ورغم التحديات الاقتصادية التي تعاني منها روسيا بسبب العقوبات الغربية وتكلفة الحرب، فإنها تراهن على “الدبلوماسية الرياضية” كوسيلة لتعزيز نفوذها في القارة الإفريقية، في وقت تتراجع فيه هيمنة قوى تقليدية مثل فرنسا. وعلى خلاف الصين التي تفضل مشاريع البنية التحتية، تستخدم روسيا الرياضة كمنصة لبناء جسور النفوذ، خاصة في دول الساحل والغرب الإفريقي، حيث يُتوقع أن تشهد الفترة المقبلة زخماً في الاتفاقات والمبادرات الرياضية ذات الطابع الجيوسياسي.