تشهد الجامعات الأميركية هذه الأيام موسم تخرج الطلبة وسط أجواء احتفالية تعكر صفوها مخاوف متصاعدة بشأن مستقبل أكثر من مليون طالب أجنبي يدرسون في البلاد. ففي الوقت الذي يتأهب فيه خريجو العام الدراسي 2024-2025 لدخول سوق العمل أو استكمال دراساتهم، تزداد الضغوط السياسية التي تهدد بتقييد تدفق الطلبة الدوليين مستقبلا، خاصة في ظل توجهات إدارة الرئيس دونالد ترامب لتشديد شروط التأشيرات الدراسية.
وتأتي هذه التطورات بعد إصدار وزارة الخارجية الأميركية تعميما لبعثاتها الدبلوماسية بالخارج بتعليق جدولة مواعيد جديدة لتأشيرات الطلاب، تمهيدا لوضع آليات تحقق أمني وسياسي مشدد، تشمل مراجعة محتوى حساباتهم على منصات التواصل الاجتماعي. هذه الخطوة أثارت قلق العديد من الأكاديميين، خاصة وأنها تتزامن مع محاولات واضحة من الإدارة الأميركية للضغط على بعض الجامعات الكبرى، مثل هارفارد، بعد الاحتجاجات التي شهدتها على خلفية الحرب الإسرائيلية على غزة أواخر 2023.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن عدد الطلاب الدوليين بلغ 1.1 مليون طالب خلال العام الدراسي 2023-2024، وتشير تقارير إلى أن أبرز الجامعات المستضيفة لهم هي جامعة نيويورك، ونورث إيسترن، وكولومبيا، بينما يمثل الأجانب نحو 27% من طلاب جامعة هارفارد. ويؤكد خبراء التعليم أن التراجع المحتمل في أعداد الطلبة الدوليين لن يكون تأثيره مقتصرا على البيئة الأكاديمية فحسب، بل سيطال الاقتصاد الأميركي برمته.
فوفقا لرابطة المعلمين الدوليين (NAFSA)، ساهم الطلاب الأجانب خلال العام الماضي بما يقارب 44 مليار دولار في الاقتصاد الأميركي، ووفروا نحو 378 ألف وظيفة. ويمثل هؤلاء الطلبة عنصرا حيويا في النشاط الاقتصادي، من خلال إنفاقهم على السكن والتنقل والمعيشة، فضلا عن دفعهم لرسوم دراسية غالبا ما تكون أعلى من تلك التي يدفعها الطلاب الأميركيون. ففي ولاية كاليفورنيا وحدها، ساهم حوالي 141 ألف طالب دولي بمبلغ قدره 6.4 مليارات دولار، بينما ضخ 82 ألف طالب في ماساتشوستس نحو 3.9 مليارات دولار، وأسهم 90 ألف طالب في تكساس بـ 2.5 مليار دولار في اقتصادها المحلي.
ولم تقتصر التحذيرات على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تعدته إلى القلق من فقدان الكفاءات. ففي مؤسسات مثل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، يشكل الطلاب الدوليون أكثر من 25% من عدد الدارسين، وقد عبرت رئاسة المعهد عن خشيتها من أن يؤدي تراجع أعدادهم إلى تراجع حيوية البحث العلمي والديناميكية الثقافية في الجامعات الأميركية. وحذرت الرئيسة سالي كورنبلوث من أن مثل هذه السياسات قد تضر التنافسية الأميركية لعقود, حسب تقرير صادر عن “الجزيرة نت”.
وتناولت افتتاحية مجلة “الإيكونوميست” مؤخرا هذه الإشكالية، معتبرة أن استقطاب الجامعات الأميركية لأفضل العقول حول العالم يشكل مصدر قوة ناعمة رئيسية للولايات المتحدة، ويساهم في تجديدها العلمي والثقافي. لكن نظرة إدارة ترامب إلى الجامعات، باعتبارها معاقل للمعارضة السياسية ومناصرة القضايا الحقوقية، يجعلها في مرمى الاستهداف، حتى لو كانت النتائج كارثية على أحد أكثر القطاعات تصديرا في أميركا ألا وهو “التعليم العالي”.