خبير: الثقة المفقودة.. هي الحاجز الأكبر أمام الشمول المالي الرقمي في المغرب

رغم الانتشار الواسع للهواتف الذكية في المغرب والذي يفوق عددها 45 مليون جهاز بحسب الإحصائيات, يبقى اعتماد المنصات الرقمية في الخدمات المالية دون المستوى المأمول، وهذا ما يطرح علامات استفهام عديدة حول أسباب هذا “العزوف الرقمي” في بلد يوصف أحيانا بـ”الأمة الرقمية”.

تقرير حديث صادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) كشف عن معضلة عميقة تتجاوز المسألة التقنية، حيث أشار إلى أن 42% من المغاربة البالغين لا يستطيعون استخدام الحسابات المالية دون مساعدة. ورغم أن هذه النسبة أفضل من المتوسط الإقليمي العربي (64%)، فإنها لا تزال بعيدة عن المتوسط العالمي البالغ 24%. ويلاحظ أن النفاذ إلى الخدمات الرقمية لا يعني بالضرورة استخدامها الفعلي، إذ أن “فجوة الاستخدام” تظل واسعة، خاصة في المناطق القروية وبين الفئات المهمشة.

وفي هذا السياق، يقدم الخبير في المجال الرقمي محمد أمين المحفوظي من خلال تصريحه لTHE PRESS تشخيصًا دقيقًا للوضع, موضحا أن المشكلة ليست في التقنية نفسها، بل في فقدان الثقة بالمؤسسات المالية. فبالنسبة له،“العزوف عن استعمال المنصات البنكية الرقمية لا يعود لصعوبتها أو عدم توفر الهواتف الذكية”, مضيفا أن “المغرب اليوم أمة رقمية، ومعظم الأسر تمتلك هاتفا ذكيا واحدا على الأقل. حتى الفئات الأمية لغويا قادرة على التعامل مع التطبيقات. لكن غياب الثقة، حتى لدى المثقفين رقميا، هو ما يعطل التحول الرقمي المالي.”

ويشير الخبير إلى أن المواطن، سواء كان مستهلكا بسيطا أو مستخدما متمكنا رقميا، لا يشعر بالاطمئنان الكافي تجاه مصداقية الأداء الرقمي، مستشهدا بأعطال متكررة في خدمات التحويل الآني بين الأبناك، والتي “تفقد فعاليتها وتتحول إلى تحويلات عادية تستغرق أياما بدلا من لحظات رغم أداء الرسوم المفترضة”.

وهذا النوع من الإخفاقات، حسب المحفوظي، يؤدي إلى انهيار الثقة، وهو ما يترجم في التردد، ومن ثم العزوف، عن استخدام التطبيقات البنكية، حتى عند توفرها. ويضيف:“المواطن الذي يجرب التطبيق ويواجه عطلا، لا يعود بسهولة. بل يحتفظ بالتجربة السيئة ويستمر في التعامل مع الطرق التقليدية التي رغم بطئها، تظل مضمونة بالنسبة له وأكثر موثوقية.”

ويرى المحفوظي أن بناء الثقة لا يتحقق بالشعارات أو الحملات التوعوية السطحية، بل بـتحسين فعلي للتجربة الرقمية، سواء عبر إعادة برمجة التطبيقات لتكون أكثر دقة وموثوقية، أو عبر برامج تكوين جادة وجذابة للفئات الهشة رقميا، بدلا من الاعتماد على إعلانات مبسطة سريعة لا تفي بالغرض.

وفي الختام، حاول محمد أمين المحفوظي, من خلال تصريحه, تسليط الضوء على لب الإشكال في مشروع الرقمنة المالية بالمغرب, فليس كل من يملك هاتفا ذكيا هو مستخدم رقمي حقيقي، ما لم يشعر بالثقة في النظام الذي يتعامل معه, والثقة، كما تسلب بسرعة، تحتاج وقتا طويلا لتستعاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

المغرب والقضية الفلسطينية.. مواقف راسخة ودعم عملي متواصل

المنشور التالي

توتنهام يتوج بلقب الدوري الأوروبي بعد فوز شاق على مانشستر يونايتد

المقالات ذات الصلة