بقلم الدكتورة رقية أشمال: أستاذة التعليم العالي بجامعة محمد الخامس
بالرغم مما شكلت واقعة اعتقال أستاذ جامعي لتورطه في بيع شواهد الماستر ، من صدمة مجتمعية ليس فقط للرأي العام وإنما في صفوف الجسم الجامعي بكل مكوناته ، وهي تنضاف لواقعة النقط مقابل الجنس ، تظل الوقائع الفريدة معزولة عن نماذج نضالات عدد من الأساتذة، الذين تتجاوز أدوارهم المحددة في التدريس و التأطير والإنتاج العلمي إلى مواكبة متواصلة للطلبة وأحيانا الانخراط في الترافع عن تحسين وضعياتهم الاجتماعية ، ليست القوانين والمساطر وحدها ما يسهر الأساتذة على الانضباط لها ، هنالك قوانين إنسانية أسمى؛ تحتم الانصياع لها لما تفرضه الطبيعة البشرية للإنسان.
ولأن الانتماء لدائرة مهنة الأستاذ الجامعي ليست مجرد لقب وظيفي أو صفة داخل مكتب ببناية جامعية ، فأن تكون كذلك يفرض ثقل المًهمة حملك لهم ؛ كيف تسهم بخلق مرونة الجسور بين قلق السؤال و صلابة الواقع ، وكيف تشعل ضوءً في غياهب قلوب جيوش من الشباب الذين انهارت عليهم أسقف الثقة في المؤسسات ، و هوت بهم آبار الإحباط و اليأس في المستقبل طولا وأرضا !
أن تكون جامعي معناه؛ أن تحمل في عقلك هم السؤال و في قلبك مسؤولية الجواب الخالية من الدهون دون مواربة. لأنك في نهاية المطاف يفترض فيك أن تكون من حراس بناء الوعي و النقد وليس من حراس المعابد، على مختلف أصنافها ! ولأنك مهما تثاقلت سوداوية الأحداث ، عليك أن تنجو لتبقي على مهمة آخرى كراعي أمل !
ففي نهاية المطاف يظل الجامعي أستاذا أو باحثا ضمير علمي ، يحرص على التجسير بين الفكرة والفعل وبين الجامعة والمجتمع.
وهو الأمر الذي تقوده أسراب من الأساتذة في مختلف الجامعات المغربية بصمت، لكننا لا نتحدث عنها ، لأننا تطبعنا مع ” الخبر الفضيحة” ، و انسلت من ثقافتنا محاولات التبئير عن مساحات الضوء ، تلك الخيوط التي يمكنها أن تساعدنا على صناعة مجتمعية للأمل ، تسهم فعلا في بناء الثقة بين المواطنين والمواطنات في علاقتهم بالمؤسسات.
إننا عوض أن نقيس الوقائع بمقاييسها الملائمة لترتيب التبعات ، نتفنن في تعميق لون السواد بأعين أجيالنا ، فإلى أين نسير ؟
سواء بوعي منا أو بدون أين نسير بشباب هذا الوطن ؟
هل يساعد هذا الإجهاز على الأستاذ(ة) و الجامعة من حل الإشكال ؟ أم أننا نسير نحو الإجهاز على ما تبقى من فتات الآمال لدى هؤلاء الأجيال ؟
إن حاجة الجامعة اليوم لتقوم بوظائفها، حمايتها من هاته الوقائع كي لا تتحول إلى ظواهر ، وهي مسؤولية تقتضي إعفاؤها من الأثر القطاعي و الحرص على احتضانها المجتمعي بدءً من إعلام صديق لها غير مناويء ، يحرص بأخلاقياته على تسويق منتوجها ومنجزها الدائم والمتواصل ، حاجة الجامعة أيضا إلى هبوط بعض المحسوبين عليها من الأبراج العاتية للتنظير ، فأن تكون أكاديميا يعني أن تكون حاضرا في وجدان الطلبة سماحة و في عقولهم فكرا ، وفي المجتمع سلوكا ..
فوظيفة الأكاديمي الإسهام في التنوير وليس صرافا بنكيا أو سمسار بهائم، و مقياسه في ذلك الحد الأدنى من القيم وليس امتهان الوقوف عند السلالم !