سجل المغرب قفزة نوعية في صادراته من الأسمدة نحو السوق البرازيلية خلال شهر أبريل المنصرم، محققا أداءً غير مسبوق في هذا القطاع الحيوي. فقد بلغت قيمة الصادرات المغربية نحو البرازيل 219 مليون دولار، أي ما يعادل زيادة بنسبة 2.3 مرة مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، بحسب بيانات الدائرة الإحصائية الحكومية البرازيلية.
وقد مكّن هذا الإنجاز المغرب من احتلال المرتبة الثانية ضمن أكبر مصدري الأسمدة إلى البرازيل، متقدما على دول صناعية ثقيلة مثل الصين وكندا، فيما حافظت روسيا على المركز الأول بصادرات بلغت 348 مليون دولار، وهو أعلى مستوى لها منذ نوفمبر 2024.
وفي السياق ذاته، ارتفعت صادرات الصين بنسبة 1.7 مرة لتصل إلى 117 مليون دولار، بينما تراجعت كندا إلى المركز الرابع بحجم صادرات ناهز 105 مليون دولار.
ويرى عدد من الخبراء أن هذا التقدم المغربي ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة مباشرة لاستراتيجية صناعية واستثمارية محكمة في قطاع الفوسفاط والأسمدة. وفي هذا الصدد أوضح الخبير الاقتصادي بدر الزاهر الأزرق في تصريح لموقع THE PRESS أن “هذا التصدر اللافت يؤكد الدينامية التي يعرفها هذا القطاع في المغرب، خصوصا بعد الانتقال من تصدير الفوسفاط الخام إلى إنتاج والتركيز على مشتقاته أيضا من خلال تصدير الأسمدة المصنعة والمكررة”. وأضاف بأن “المكتب الشريف للفوسفاط استثمر أكثر من 12 مليار دولار في تطوير بنياته التحويلية، وهو ما مكنه من تعزيز قدرته التصديرية ودخول مراتب متقدمة على الصعيد العالمي ليس فقط على مستوى البرازيل بل حتى الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الإفريقية ويحتل الصدارة أو الوصافة أو المرتبة الثالثة على أقل تقدير”.
ويعد هذا التحول امتدادا لرؤية اقتصادية مغربية تراهن على السيادة الغذائية وصناعة الأسمدة كرافعة للتأثير الإقليمي والدولي، لا سيما في أسواق تعتمد بشكل كبير على الفلاحة مثل البرازيل. ويشير الأزرق إلى أن “البرازيل تعد قوة فلاحية عالمية، واستهلاكها للأسمدة ضخم جداً، مما يجعلها من كبار زبائن المغرب، ويفتح الباب أمام تعاون أعمق في مجال الأمن الغذائي”.
ويتابع الخبير الاقتصادي موضحاً أن “الرغبة المغربية كانت واضحة في منح الفوسفاط قيمة مضافة أكبر، والابتعاد عن الاكتفاء بتصدير المادة الخام. لذلك أنشأ المكتب الشريف للفوسفاط مركبات صناعية ضخمة لتحويله إلى أسمدة، ما ساعد على التغلغل في أسواق عالمية متنوعة، وأتاح للمغرب أن يصبح لاعباً مؤثرا في الأمن الغذائي العالمي”.
ولا يقتصر الحضور المغربي في العالم على التصدير فقط، بل توسّع ليشمل إنشاء مصانع ومركبات إنتاجية في عدة دول بأفريقيا وآسيا، مثل نيجيريا، إثيوبيا، الهند وباكستان، وفق ما أوضحه الأزرق، الذي أكد أن “هذه المنشآت الخارجية تراعي خصوصية التربة والحاجيات الفلاحية والمناخ المتعلق بكل منطقة وهو ما يعزز من تنافسية المنتج المغربي”.
ويختم الأزرق تصريحه بالتأكيد على أن “المغرب، بفضل امتلاكه لأكبر احتياطي فوسفاط عالمي، وبفضل الاستثمارات المتواصلة في التصنيع والتوسع الجغرافي، بات مرشحًا ليصبح في صدارة الدول المصدرة للأسمدة المصنعة. وهو ما يستدعي من المكتب الشريف للفوسفاط اليوم أن ينشئ تصورا استثماريا جديدا على المستوى الدولي، لمواكبة الطلب المتصاعد على الأسمدة والمساهمة الفعلية في تحقيق الأمن الغذائي العالمي. وأكد المتحدث نفسه على أن “أمام التدهور الذي تعرفه التربة والتغيرات المناخية والتعرية في عدد كبير من الدول فإن الحاجة للأسمدة تتعاظم وبالتالي الحاجة للأسمدة المغربية هي أيضا تتعاظم وحضور المملكة المغربية سيكون أكبر فأكبر”.
وبهذه الدينامية الصناعية والانتشار الاستراتيجي، لم يعد المغرب مجرد مصدر للفوسفاط فحسب، بل أضحى فاعلا مركزيا في معادلة الأمن الغذائي العالمي، مسجلا حضورا وازنا في قارات متعددة، من أمريكا الجنوبية إلى آسيا، مرورا بالقارة الإفريقية.