شهد اقتصاد المؤثرين في المغرب نموا سريعا خلال السنوات الأخيرة، ليغدو من أبرز روافد التسويق الرقمي، وقطاعا يدمج بين التجارة، والإعلام، والترفيه. فقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي منصات للربح والتأثير، حيث ينجح المؤثرون في التأثير على قرارات الشراء والترويج للعلامات التجارية، مستفيدين من قاعدة جماهيرية واسعة وتفاعل مباشر مع متابعيهم.
وتشير دراسة حديثة أجرتها مؤسسة “ديجي تريندز” إلى أن سوق التسويق عبر المؤثرين في المغرب بلغ 4.2 مليارات درهم (420 مليون دولار) في عام 2024، بزيادة بلغت 40% مقارنة بعام 2022. ويمثل هذا السوق حاليًا نحو 15% من رقم معاملات التجارة الإلكترونية في المغرب، ما يعكس الدور المتعاظم للمؤثرين ضمن المنظومة الاقتصادية الرقمية، خاصة في ظل التحوّل الكبير نحو الاستهلاك عبر المنصات.
لكن هذا النمو السريع لم يواكب بإطار قانوني وتنظيمي واضح، ما دفع الحكومة إلى إدراج جملة من التدابير في قانون المالية لسنة 2025، تضمنت فرض ضرائب تصل إلى 30% على المداخيل الرقمية، وإلزامية التصريح بها، إضافة إلى تشديد المراقبة على التحويلات المالية من الخارج، وتصنيف المؤثرين ضمن فئة “مصدّري الخدمات الرقمية”، ما وضعهم تحت رقابة مالية مباشرة.
وصرح باحثون مغاربة ل”الجزيرة نت” أنه رغم هذه الإجراءات، إلا أن الفراغ ما يزال قائما على مستوى التنظيم الأخلاقي والإعلاني لهذا القطاع، إذ يفتقر إلى معايير شفافة في الترويج والإفصاح عن الإعلانات، كما أن بعض المؤثرين يروجون لمنتجات وخدمات دون الإشارة إلى طبيعتها الإعلانية، ما يطرح إشكاليات أخلاقية تمس بثقة الجمهور وبحقوق المستهلكين.
ومن جانب آخر، شدد الباحثون على أن فئة مهمة من المؤثرين تواجه تحديات متعددة، منها صعوبة الاستمرارية في ظل تقلب خوارزميات المنصات، وضغط التفاعل المستمر، فضلا عن النقد السلبي والمضايقات الذين يتعرضون لها في غالبية الأحيان من المتصفحين بشكل يومي. كما أن بعض العلامات التجارية ما زالت تعتمد على أرقام المتابعين بدلا من معايير المصداقية وجودة المحتوى، وهو ما يعمق أزمة المحتوى السطحي ويهمش الإبداع الحقيقي.
وسجلت الدراسة المنجزة انخفاضا في نسبة متابعة المؤثرين من 75% سنة 2022 إلى 51% سنة 2024، في مقابل ارتفاع تأثير توصياتهم من 35% إلى 57%، ما يدل على جمهور أكثر انتقائية واستجابة للمحتوى المؤثر. وبينما تتصدر مواضيع الفكاهة بنسبة 43% والطعام ب39% والموضة ب34% والجمال ب33% والسفر ب32%، يبرز اهتمام متزايد بمحتويات ذات قيمة مضافة، مثل الصحة والرفاهية (28%) والتنمية الذاتية (25%) والتعليم (23%)، مما يعكس تحولات في سلوك الجمهور وسقف انتظاراته.