تشهد الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب تحولات جوهرية في علاقتها مع العالم الخارجي، خصوصًا فيما يتعلق بالطلاب الدوليين والسياحة الوافدة. فقد أظهرت السياسات الأخيرة للإدارة الحالية ميلًا متزايدًا نحو الانغلاق، ما دفع كثيرين للتساؤل: هل ما تزال أمريكا حلمًا مفتوحًا للعالم، أم أنها تغلق أبوابها تدريجيًا؟
تُعد الولايات المتحدة من أبرز الوجهات التعليمية عالميًا، إذ استقطبت في العام الأكاديمي 2023-2024 أكثر من 1.1 مليون طالب دولي، ما ساهم بأكثر من 43 مليار دولار في الاقتصاد الوطني، وفقًا لمعهد التعليم الدولي. غير أن القيود المشددة على منح التأشيرات، والإجراءات الصارمة التي طالت بعض الطلاب الأجانب، أثارت موجة قلق واسعة. في فبراير 2025، رفعت مجموعة من أساتذة الجامعات دعوى قضائية ضد إدارة ترامب، متهمين إياها بـ”استهداف وترحيل الطلاب المؤيدين للقضية الفلسطينية”، الأمر الذي وُصف بأنه تهديد لحرية الرأي وللقيم التي تقوم عليها الجامعات الأمريكية.
القلق ذاته يمتد إلى قطاع السياحة، الذي يشكل ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد الأمريكي. توقعات قطاع السياحة تشير إلى انخفاض عدد السياح الدوليين بنسبة 5.1% خلال عام 2025، وتراجع في حجم الإنفاق السياحي بنحو 10.9%. يربط خبراء هذا التراجع بالخطاب السياسي المتشدد، وبزيادة المخاوف لدى المسافرين من الإجراءات الأمنية المبالغ فيها. تقول المحللة في شؤون السفر الدولي، لورين برينان، في تصريح لمجلة “ترافل ويكلي”: “السياح لا يقررون وجهاتهم بناءً على الجمال فقط، بل بناءً على الشعور بالأمان والترحيب… وأمريكا لم تعد تبعث هذا الشعور بوضوح”.
ترافق هذا التراجع مع تحذيرات من حكومات أجنبية لمواطنيها. ألمانيا، على سبيل المثال، عدّلت إرشادات السفر إلى الولايات المتحدة، بعد تسجيل حوادث احتجاز مواطنين ألمان عند الحدود لفترات طويلة دون تهم واضحة. هذه التطورات تؤثر سلبًا على صورة الولايات المتحدة كوجهة منفتحة، وتطرح تساؤلات حول ما إذا كانت البلاد بصدد خسارة ما راكمته من سمعة خلال عقود كبلد للفرص والانفتاح.
رغم ذلك، يرى بعض المحللين أن هذه الموجة قد تكون ظرفية، وأن المؤسسات الأمريكية – خاصة الجامعات – تملك من الاستقلالية والقوة ما يمكّنها من امتصاص هذه الآثار. لكن في حال استمرت هذه السياسات، فإن الولايات المتحدة قد تجد نفسها في مواجهة أزمة ثقة دولية، يصعب ترميمها بسرعة، في وقت تتسابق فيه دول أخرى مثل كندا وأستراليا وألمانيا لاستقطاب العقول والزوّار الذين تنفرهم الأجواء الحالية في أمريكا.