رغم تغير ملامح الساحة الغنائية العربية وتراجع الطرب الكلاسيكي أمام زحف الألوان التجارية، ظل هاني شاكر، الملقب بـ”أمير الغناء العربي”، واحداً من الأصوات النادرة التي حافظت على أصالتها، وفرضت حضورها على مدى عقود من الزمن. وُلد شاكر في القاهرة عام 1952، وبدأ مسيرته الفنية باكراً مجسداً شخصية سيد درويش في صغره، قبل أن ينطلق بأغنية “حلوة يا دنيا” سنة 1972، والتي حُسبت في بداياتها على عبد الحليم حافظ من شدة تأثيرها العاطفي ورقي لحنها.
خلال مشواره الفني، قدم شاكر رصيداً تجاوز 600 عمل غنائي، تنوّعت بين الرومانسي، والوطني، والاجتماعي، متعاوناً مع كبار الملحنين والشعراء في مصر والعالم العربي. أعماله مثل “كده برضه يا قمر”، و”جرحي أنا”، و”ياريتني”، لا تزال ترددها الألسنة حتى اليوم، كدليل على صدق الكلمة وبراعة الأداء. كما خاض تجارب سينمائية ومسرحية في سبعينيات القرن الماضي، أثبت فيها أن موهبته لا تقتصر فقط على الغناء.
لكن المسيرة لم تخلُ من منعطفات حاسمة، أبرزها توليه منصب نقيب المهن الموسيقية في مصر ابتداء من عام 2015. شاكر حاول من موقعه الإداري ضبط إيقاع المشهد الموسيقي، فدخل في صراعات مع بعض موجات الغناء الجديدة، خصوصاً ما يُعرف بـ”أغاني المهرجانات”، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً حول مفهوم “حماية الذوق العام” وحدود الرقابة الفنية.
رغم المصاعب الشخصية، ومنها فقدان ابنته دينا عام 2011، واصل شاكر تقديم أعمال جديدة. عام 2024، عاد بألبوم “اليوم جميل”، الذي تميّز بتنوعه بين الطرب الخفيف والأنغام المعاصرة، كما أعلن عن استعداده لخوض تجربة درامية جديدة، في خطوة أعادت تسليط الضوء على رغبته المستمرة في التجدّد رغم سنوات النجومية الطويلة.
هاني شاكر لا يمثل مجرد صوت جميل في الذاكرة العربية، بل يشكل حالة فنية متكاملة، امتزجت فيها رهافة الإحساس بثبات الموقف. فنان قد لا يكون الأوسع انتشاراً في زمن السرعة، لكنه يبقى من بين الأعمق تأثيراً، وأحد آخر حراس الجمال في الأغنية العربية.