بعد أكثر من خمسين سنة من الحكم في الغابون، طويت صفحة عائلة بونغو أخيراً بترحيلها إلى أنغولا. علي بونغو، الذي تولى الحكم بعد وفاة والده عمر بونغو في 2009، وجد نفسه في أغسطس 2023 ضحية لانقلاب عسكري قاده الجنرال بريس أوليغي نغيما، بعدما تراكمت مشاكل التسيير والغضب الشعبي، لتتحول العائلة التي طالما قدمت نفسها كرمز للاستقرار إلى عنوان لسوء التدبير والغطرسة. هذا الانقلاب شكل نقطة تحول في مسار الغابون السياسي، خصوصاً بعد سنوات من حكم متوارث كانت كلفته باهظة على التنمية والشفافية.
عملية الترحيل إلى أنغولا جاءت بعد أشهر من الاحتجاز والإقامة الجبرية لأفراد العائلة، على خلفية تهم تتعلق بالاختلاس وتبييض الأموال. وقد لعب الرئيس الأنغولي جواو لورينسو دور الوسيط في هذا الملف، حيث توصل إلى اتفاق مع السلطات الغابونية الجديدة يقضي بخروج علي بونغو وزوجته سيلفيا وابنه نور الدين نحو لواندا. هذا الترتيب أعاد بعض الهدوء إلى المشهد الداخلي، وفتح الباب أمام طي هذا الفصل الشائك بطريقة سياسية تحفظ ماء وجه جميع الأطراف وتجنب الغابون المزيد من التوترات.
تزامن الترحيل مع نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في أبريل 2025، والتي أفرزت فوز الجنرال بريس أوليغي نغيما بأغلبية ساحقة. هذه الانتخابات تمثل أول اختبار ديمقراطي حقيقي بعد الانقلاب، وسط وعود من الرئيس الجديد بمحاربة الفساد وتنويع الاقتصاد وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس أكثر شفافية. لكن التحدي الأكبر سيبقى في القدرة على تلبية تطلعات الشارع الغابوني الذي ملّ من الشعارات وينتظر أفعالاً ملموسة تعكس إرادة سياسية صادقة في التغيير.
بالرغم من أهمية هذه التطورات الداخلية، لا يمكن إغفال أبعادها الخارجية، خاصة على صعيد العلاقات مع المغرب. تاريخياً، كانت علاقة عائلة بونغو بالرباط قوية، إلا أن مرحلة ما بعد الانقلاب شهدت بعض الفتور نتيجة الغموض السياسي والانتقال غير السلس للسلطة. الإفراج عن عائلة بونغو وترحيلها من الغابون قد يفتح المجال أمام إعادة ترميم هذه العلاقات، خصوصاً مع وجود إرادة مشتركة لمواجهة التحديات الإقليمية وتعزيز الشراكة الاقتصادية والسياسية.
في هذا السياق، من المرجح أن تشهد العلاقات بين المغرب والحكام الجدد في الغابون دفعة جديدة، مدفوعة برغبة كلا الطرفين في تجاوز رواسب الماضي والانخراط في تعاون مثمر يخدم المصالح المشتركة. المغرب، الذي يرى في استقرار الغابون ركيزة أساسية في سياسته الإفريقية، سيجد في نغيما شريكاً واقعياً، بينما سيسعى هذا الأخير إلى الاستفادة من التجربة المغربية في مجالات التنمية والحكامة. وبالتالي، فإن الإفراج عن عائلة بونغو قد يكون الخطوة الرمزية التي تعيد المياه إلى مجاريها بين الرباط وليبرفيل.