خرج جيل Z إلى الشارع ليعلن أن الواقع لم يعد يحتمل المزيد من الصمت والتأجيل. شباب يرفعون مطالب اجتماعية عادلة ومشروعة، ويعبرون عنها بطرق سلمية حديثة تكشف عن وعي جماعي بضرورة الإصلاح والعدالة. هذه المطالب لا تحتاج إلى تبرير، بل تحتاج إلى اعتراف صريح وإرادة سياسية شجاعة للإنصات والتجاوب.
غير أن كل محاولة اليوم لجر هذا الحراك إلى العنف والتخريب والنهب واعمال القرصنة التي استهدفت مواقع حكومية وخاصة، لن تخدم إلا من يريد ضرب مصداقيته وتشويه صورته.
القوة الحقيقية لهذا الجيل ليست في الغضب المنفلت، بل في السلمية التي تمنح احتجاجه شرعية وقوة لا يمكن كسرها. انتصاركم الحقيقي لن يكون بتكسير واجهات أو تعطيل مواقع، بل بقدرتكم على الحفاظ على طهارة نضالكم ووضوح أهدافكم.
إن تجاهل الحكومة لهذه الأصوات والاكتفاء بالبلاغات المبهمة لن يزيد الوضع إلا تعقيدا. المطلوب اليوم هو مخاطبة الشباب بلغتهم والاعتراف بوجاهة مطالبهم، لا بتركهم يواجهون الصمت واللامبالاة. المغرب في حاجة ماسة إلى مصارحة وإصلاحات حقيقية، وإلى إرادة سياسية تفهم أن المستقبل لا يُبنى بالتجاهل بل بالإنصات والتجاوب. الكرة الآن في ملعب من يتحملون المسؤولية، والفرصة ما تزال قائمة لتدارك الموقف قبل أن يصبح الصمت عبئا لا يُحتمل.
لو أن حكومتنا الموقرة اشتغلت منذ أول يوم بجدية على مراقبة ما يجري في مستشفياتنا، حيث صار بعض رجال الأمن الخاص أكثر نفوذا وهيبة من الأطباء، ولو أنها أعادت الاعتبار للمدرسة العمومية حتى تسترجع مكانتها كرافعة للعدالة الاجتماعية، لما كنا اليوم أمام هذه الهوة الواسعة بينها وبين المجتمع. لقد صوّت المغاربة على حكومة سياسية لا لتنتج لنا برامج مصففة ب“PowerPoint ”، بل لينزل وزرائها إلى الميدان ويواجهوا الواقع كما هو، بجرأة وبحسّ المسؤولية. مشاكل المغرب لا تُحل خلف الشاشات ولا في التقارير المنمقة، بل بالإنصات والعمل الميداني الصادق. والوقت يداهمنا، فإن لم نتحرك اليوم، فالغد سيكون أثقل وأقسى. وكما يقول المثل المغربي: “اللّي فرط يكرط”!