في كل عيد أضحى، كانت أسواق وأزقة المدن المغربية تشهد عودة بعض المهن الموسمية التي لا تحضر إلا مع “العيد الكبير”. من باعة الفحم “الفاخر” إلى من يعرضون “الجلبانة” أو علف الأغنام. كانت هذه المظاهر تشكل طقوسا لا تنفصل عن روح العيد, حين يتحول الرصيف إلى مشهد حي، تملؤه النداءات، روائح الفحم، وأصوات المساومة، بقايا “الجلبانة” في الأرض, لتعلن قدوم أيام النحر واللمة. غير أن هذا العام، وفي ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها المملكة، غابت هذه المهن، وغاب معها جزء من الذاكرة الجماعية المرتبطة بالعيد.

غياب شعيرة الذبح هذا العام لم يقتصر فقط على الأضاحي، بل امتد ليطال كل ما يرافقها من اقتصاد شعبي صغير ينعش جيوب الآلاف ممن يعتمدون على هذه الفترة الموسمية لتحقيق مدخول ولو محدود. ومن هؤلاء الأشخاص نجد باعة “الفاخر” الذين كانوا يتوافدون على الأسواق منذ أسابيع قبل العيد، اختفوا. عربات الجلبانة التي كانت تفرش جانب الطرق، غابت. اختفى ذاك الحراك الذي كان يعم أطراف المدينة، وتراجعت معها تفاصيل عيد اعتدناه بحضوره الشعبي البسيط والضروري.

حتى مهنة “شحذ السكاكين”، التي تبدو للبعض هامشية، كانت من بين أبرز الغائبين. وكان هؤلاء الرجال يتجولون بدراجاتهم أو عرباتهم الصغيرة، حاملين أدواتهم، ويعرضون خدمة تسنين السكاكين استعدادا لذبح الأضحية. فكانوا يمنحون السكين قساوة الرحمة في وقت النحر، ويكسبون منها لقمة شريفة تعينهم على مصاريف العيد. واليوم، وقد غابت الأضاحي، غاب شحاذ السكاكين، وغاب معه صوت المعدن على الحجر، كأن صوت العيد ذاته قد صمت هذا العام.