أضحى العنف الأسري وبالأخص العنف بين الزوجين من الظواهر الاجتماعية التي تثير قلقا متزايدا، خاصة حين يتطور هذا العنف من مستويات نفسية أو جسدية إلى جرائم قتل تهز الرأي العام وتخلف مآسي إنسانية ومجتمعية كبيرة. وتتجلى خطورة هذه الظاهرة في أنها لا تكون دائما ناتجة عن مرض نفسي واضح، بل قد تنبثق عن تراكمات طويلة من الضغوط النفسية والاختلالات العاطفية تتمثل في سوء التواصل.
وتكمن أهمية تسليط الضوء على هذا الموضوع في ضرورة فهم العوامل التي تؤدي إلى مثل هذه الجرائم داخل الفضاء الحميمي للأسرة، كما أن رصد الإشارات المبكرة والتعامل معها بجدية يمكن أن ينقذ أرواحا على وشك ان تزهق.
ومن هذا المنطلق قدمت الدكتورة النفسية غيثة علمي لموقع THE PRESS تحليلا لظاهرة العنف الزوجي المؤدي إلى القتل حيث كشفت عن خلفياتها النفسية والاجتماعية، مبرزة الثغرات المؤسساتية التي تسهم في تفاقمها.
العوامل النفسية والاجتماعية ..

تقول غيثة العلمي علينا أن نعلم أن جرائم القتل الزوجي لا تكون دائما نتيجة مرض عقلي خطير, في غالب الأحيان نجدها نتاجا لتشابك معقد بين هشاشة نفسية و سمات شخصية مرضية وتوترات في العلاقة الزوجية.
من أبرز العوامل النفسية المتكررة نجد بعض اضطرابات الشخصية مثل الشخصية “البارانوية” والتي تولد شعورا مفرطا بالشك أو الحاجة إلى السيطرة وتجعل الشخص غير قادر على تقبل الرفض أو الانفصال.
كما أن الاعتماد العاطفي المرضي يشكل سببا كبيرا، حيث لا يستطيع الشريك تحمل فكرة الانفصال، ويعتبر الآخر عنصرا حيويا لهويته، ما قد يدفعه للعنف في محاولة لاسترجاع السيطرة.
وتضاف إلى هذه العوامل النفسية عوامل اجتماعية وسياقية مثل العزلة العاطفية، وجود عنف سابق داخل الأسرة أو الصعوبات الاقتصادية إلى جانب تصاعد تدريجي للتوتر داخل العلاقة.
أما في حالات أقل فقد يكون الفعل ناتجا عن اضطراب نفسي حاد أو الاكتئاب المصحوب بأفكار وهمية لكن هذه الحالات تظل استثناء.
إشارات الإنذار: “الرايات الحمراء” التي لا يجب تجاهلها
تضيف الدكتورة غيثة العلمي أن هناك إشارات تحذيرية واضحة تسبق العنف الشديد، لكنها كثيرا ما يستهان بها من أبرزها:
-العنف النفسي المتكرر (إهانات، انتقادات دائمة، تهديدات، عزل عن الأسرة والأصدقاء).
-تصاعد سلوكيات السيطرة والتملك، الغيرة المرضية، والهوس بالشريك.
-علامات القلق، الخوف، الأرق، والانسحاب الاجتماعي لدى أحد الطرفين.
-التهديدات الصريحة بالأذى (للنفس أو للطرف الآخر)، حتى وإن صدرت تحت تأثير الغضب.
وتشدد الأخصائية على أهمية أخذ كل هذه المؤشرات على محمل الجد، لأنها قد تسبق أفعالا لا رجعة فيها.
قصور مؤسساتي في مواجهة الخطر

في ما يخص دور المؤسسات، ترى الدكتورة غيثة العلمي أن هناك فراغا مقلقا في منظومة الوقاية, إذ أن الرعاية النفسية غالبا ما تركز على الأفراد دون اعتبار لبعد العلاقة الزوجية, كما أن الخدمات الاجتماعية ومراكز حماية الأسرة تعاني من ضعف الموارد، ما يحد من قدرتها على رصد الحالات المعرضة للخطر قبل فوات الأوان.
مضيفة “العديد من الضحايا لا يدركون أنهم يعيشون العنف ولا يتعرفون على أنفسهم في الخطاب الرسمي, كما أن المعتدين المحتملين لا يحصلون على فرص لتعلم إدارة الغضب أو مواجهة التعلق المرضي”.
“لهذا من الضروري تطوير مقاربة وقائية شاملة تجمع بين الصحة النفسية والعدالة، التعليم والعمل الاجتماعي، لتتمكن من التدخل المبكر قبل وقوع الكارثة”.