ملتمس الرقابة: ممارسة ديمقراطية أم رمزية احتجاجية؟

 بقلم زينب البهي: باحثة في علم النفس 

طرحت قوى المعارضة البرلمانية بالمغرب ملتمساً للرقابة على الحكومة، في خطوة أعادت إلى الواجهة واحدة من أرقى آليات المساءلة السياسية المنصوص عليها دستورياً. وعلى الرغم من أن السياق العددي قد لا يرجّح نجاح هذا الملتمس في تحقيق هدفه الأقصى، أي إسقاط الحكومة، فإن مجرد تفعيله يشكل لحظة سياسية دالة، تستحق الوقوف عندها بعيداً عن الحسابات البرلمانية الضيقة.

إن ملتمس الرقابة، كآلية دستورية نصّ عليها الفصل 105 من دستور المملكة، لا ينبغي اختزاله في كونه مجرد سلاح إسقاط، بل يجب النظر إليه كأداة من أدوات إحياء الحياة السياسية، وتثبيت منطق التوازن بين السلط. 

فالمعارضة، حين تتخلى عن دورها الرقابي، تساهم عن غير قصد في تفريغ النظام الديمقراطي من جوهره. أما حين تبادر، ولو رمزياً، فإنها تزرع في الوعي الجمعي فكرة أن للحكومات حدوداً، وللسياسات تبعات، وللمؤسسات دوراً يتجاوز “موسمية” الاقتراع.

لقد عاشت الأجيال السياسية الجديدة في المغرب على إيقاع “هدنة” ديمقراطية طويلة، غابت فيها معالم الصراع السياسي الجاد، واختلطت فيها الأدوار بين السلطة والمعارضة.

من هنا تأتي أهمية هذا الملتمس، ليس فقط كإجراء قانوني، بل كفعل رمزي يعيد تشكيل الخريطة السياسية على أسس جديدة، ويمنح الشباب نموذجاً حياً لمعارضة فاعلة ومسؤولة.

قد لا ينجح الملتمس في كسب الأصوات الكافية. لكن نجاحه الحقيقي يكمن في إحياء ثقافة المحاسبة، وفي تذكير الرأي العام بأن الديمقراطية لا تختزل في صناديق الاقتراع، بل تتجلى في القدرة على النقد، والمساءلة، وتداول السلطة.

في زمن الاستهلاك السريع للقرارات والبرامج، يبقى ملتمس الرقابة لحظة تأمل جماعي في معنى السياسة، وجدوى البرلمان، وحدود السلطة. وهو في كل الأحوال، حق دستوري لا يجوز مصادرته أو الاستخفاف به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

أشبال الأطلس يبلغون ربع نهائي كأس أمم أفريقيا على حساب نسور قرطاج

المنشور التالي

الجردي تتوج بطلة للتنس في فلوريدا

المقالات ذات الصلة