د.محمد شقير
يبدو أن حركة الاحتجاج الشبابي بعدة مدن بالمغرب والتي انطلقت بغير تأطير سياسي وبدون أرضية مطلبية أو قيادة موحدة قد ادت بعد نجاح تحركاتها في الضغط على الحكومة لدفعها لطلب الحوار إلى تغيير المطالب التي رفعت في بداية الاحتجاج من تحسين قطاعي الصحة والتعليم ومحاربة الفساد إلى المطالبة بإقالة الحكومة تحت مبرر فشلها في تدبير هاذين القطاعين مما يثير التساؤل عن ما اذا كانت هذه الحركة قد تم توظيفها من جهات معارضة للحكومة التي فشلت في تقديم ملتمس الرقابة.ولعل استغلال عدم ثقة الشباب في السياسيين وضعف التمرس السياسي سهل على ما يبدو الانسياق وراء هذا المطلب علما بأن هذا لا يتماشى مع المنطق الديمقراطي .
فهذه الحكومة الذي لم يتبقى على ولايتها سوى سنة اخيرة قد تم انتخابها بإرادة شعبية وهؤلاء الشباب لا يمثلون كل الهياة الناخبة الا اذا ما فضلت حكومة أخنوش تقديم استقالتها والذهاب إلى انتخابات مبكرة مع ما سينجم عن ذلك من تأثير على تنظيم تظاهرات كروية اقليمية او تأخير لاسثمارات اجنبية وكذا ضرورة تشكيل حكومة تقنوقراطية بكل ما ينجم عن ذلك من اتخاذ أية تدابير مستعجلة لإصلاح قطاعي الصحة والتعليم الذي خرج الاحتجاج الشباابي للمطالبة به.
و على عكس ما كان منتظرا من بعض الجهات بشأن أي إشارة ملكية بشأن أي إقالة للحكومة، فقد كان من الطبيعي أن يخلو الخطاب الملكي الذي ألقاه العاهل المغربي مساء الجمعة الثانية من أكتوبر الجاري بمناسبة افتتاح آخر دورة خريفية خلال هذه الولاية التشريعية من أي إشارة مباشرة لاحتجاجات شباب جيل زيد. لأن هذا الخطاب الملكي هو خطاب افتتاحي للدورة الخريفية للبرلمان كما ينص على ذلك دستور المملكة موجه بالأساس إلى نواب الأمة بوصفهم المؤسسة الممثلة للحياة الناخبة التي صوتت عليهم بدليل أن الخطاب الملكي قد خصص بداية الخطاب للتنويه بجهود نواب الأمة وحثهم اغلبية ومعارضة على تسريع اعمالهم في آخر دورة برلمانية لهذه الولاية التشريعية.
كما أنه رغم البيانات والمطالب التي وجهت من طرف التعبيرات الشبابية خلال الاحتجاجات الاخيرة إلى الديوان الملكي بما فيها اقالة الحكومة فهي تبقى خارج اي إطار مؤسساتي او دستوري وان كان هذه الاحتجاجات الشبابية ومطالبها كانت حاضرة بين ثنايا الخطاب من خلال انتقاد ضعف تأطير الفعاليات الحزبية والسياسية التي ادت إلى فراغ سياسي سمح بنزول فئات الشباب إلى الشارع ورفع شعارات لإصلاح منظومتي الصحة والتعليم ومحاربة الفساد والتشغيل. في حين كانت الإشارة إلى ضرورة تحقيق العدالة المجالية وتسريع إصلاح التعليم والصحة إجابة غير مباشرة للشباب المحتج بهذا الشأن.
وبالتالي ، فقد كان من اهم النقط التي تضمنها الخطاب الملكي هو دعوته كل مكونات المشهد السياسي من برلمان وحكومة إلى تسريع جهودها من أجل تنزيل الاوراش المفتوحة خصوصا في السنة الأخيرة من الولاية التشريعية حيي يشكل هذا جوابا على كل المطالب التي رفعت بشأن اقالة الحكومة. فالتأكيد الملكي على ضرورة تسريع وتيرة عملها يكرس التأكيد على مواصلة الحكومة لعملها .كما أن الخطاب ركز على ضرورة قيام كل الفعاليات من أحزاب واعلام بضرورة العمل على تاطير المواطنين في إشارة ملكية مبطة إلى أن نزول الشباب في تظاهرات احتجاجية يعكس ضعف القدرات التأطيرية لهذه الفعاليات التي عليها أن تتحمل مسؤولية هذا التأطير وتحسين الياتها في استقطاب الشباب وتاطيرهم .
في حين أحال العاهل المغربي على خطاب العرش الاخير لدعوة الحكومة للقيام بتنزيل ما جاء في الخطاب بشأن تنفيذ الجيل الجديد من الاوراش التي تهم خلق فرص الشغل للشباب وإنجاز مشاريع التنمية المحلية خاصة بالنسبة لساكنة المناطق الناءية حيث اضاف إليها في هذا الخطاب انجاز مشاريع محلية خاصة بالنسبة لساكنة الجبال التي تشكل 30 في المائة من ساكنة المغرب حيث أن ادماج هذه الساكنة وساكنة باقي المناطق المهمشة في النسيج الاقتصادي والاستفادة من الثروة الوطنية في إطار تحقيق عدالة مجالية يعتبر ضروريا لا ولا ينعكس الا من خلال تنمية محلية التي تكرس أي مسار تنموي في دولة صاعدة.
من هنا يبدو أن مضمون الخطاب الملكي الذي افتتح اخر دورة خريفية لهذه الولاية التشريعية قد شكل احد التوجيهات الملكية التي ستواصل بها حكومة اخنوش عملها خلال هذه السنة. حيث شكل هذا دعما ملكيا ولو مبطنا لمواصلة اشتغالها على ما تبقى لها من ملفات كاصلاح صناديق التقاعد وتعديل مدونة الشغل والتركيز على الإسراع باتخاذ اجراءات تحسين قطاعي التعليم والصحة بالاساس ومحاولة التخفيض من نسبة البطالة مما قد يساهم في اهتمامها بتعديل مدونة الشغل بالإضافة إلى اتخاذ بعض الإجراءات للحد من التضخم وارتفاع الأسعار.اما فيما يتعلق باصلاح صناديق التقاعد فان الامر سيتوقف عن ماذا استعداد النقابات في تسهيل مهمة الحكومة بهذا الصدد وإظهار مرونة في التوصل إلى توافقات بهذا الشأن في سنة انتخابية حارقة .
أما فيما يتعلق بحركية الاحتجاجات الشبابية ، فبعد توقيفها لفترة قصيرة احتراما للمؤسسة الملكية التي أظهرت منذ البداية تشبثها بالثوابت الوطنية, فإنها ستتواصل خاصة إذا نجحت في تنظيم تحركاتها وبلورة قيادة خاصة بها .
إذ أن اي حركة شعبية او حراك شبابي لا يستطيع أن يخلق اطاره التنظيمي وتشكيل قيادة متمرسة وناضجة سيتحول إلى إطار اجوف يتم توظيفه من مختلف الجهات ويسقط في سقف غير محدود من المطالب بشكل يؤدي في آخر المطاف إلى إفراغه من زخمه الاحتجاجي وأفقه المطلبي و الشعبي .