لا مبالغة في القول إن التحول الحاد في موقف كينيا من قضية الصحراء المغربية يشكل زلزالًا جيوسياسيًا بكل المقاييس، ليس فقط في شرق القارة الإفريقية، بل في المنظومة الإقليمية التي راهنت عليها الجزائر لعقود كخزان استراتيجي لدعمها الانفصالي. فأن تعلن نيروبي، التي كانت تعتبر من أبرز الأصوات المناصرة لأطروحة “البوليساريو”، تأييدها الرسمي لمغربية الصحراء، ومبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، هو اختراق دبلوماسي غير مسبوق يربك حسابات الجزائر ويعيد خلط أوراقها في معركتها الخاسرة.
الضربة جاءت مزدوجة: الاعتراف بمشروعية الموقف المغربي، وطرد فعلي لممثل الانفصاليين من الأراضي الكينية، في لحظة حرجة تُبنى فيها التوازنات داخل الاتحاد الإفريقي استعدادًا لاستحقاقات دبلوماسية مفصلية. ولأول مرة منذ سنوات، تجد الجزائر نفسها محاصَرة في فضاء كانت تظنه مأمونا، بعد أن صرفت فيه الملايير لشراء الولاءات وشراء “المواقف” باسم التضامن الزائف.
القرار الكيني لا يمكن قراءته بمنأى عن المتغيرات التي تشهدها القارة: فإفريقيا الجديدة تتشكل بهدوء، لكنها لا تقبل بمشاريع انفصالية تستهلك موارد التنمية وتغذي الانقسامات. والمغرب، من جهته، يدفع بهذا التحول عبر دبلوماسية عقلانية، هادئة ولكن فعّالة، تزاوج بين الشرعية التاريخية والمقترح السياسي العملي، وتعرض على شركائها رؤية تنموية شاملة تربط الجنوب بالجنوب.
الأكثر إثارة أن كينيا لم تكتف بموقف دبلوماسي تقليدي، بل قررت فتح سفارة بالرباط، وربما قنصلية بالصحراء، في خطوة تُشكّل إدانة علنية وغير مسبوقة للأجندة الجزائرية في إفريقيا. وإذا أضفنا إلى ذلك إعلان السلفادور عن فتح قنصلية بالعيون في اليوم ذاته، فإننا أمام لحظة مفصلية تنبئ بانهيار جدار الدعم الافتراضي الذي بنت عليه الجزائر وهم “الجمهورية الصحراوية”.
ختامًا، لم تعد المعركة حول الصحراء مجرد صراع حدودي أو نزاع إقليمي، بل تحوّلت إلى اختبار جيوسياسي لإفريقيا بين مشروع وحدوي سيادي يتبنّى الاستقرار، وآخر انفصالي استنزافي يتغذى على الفوضى والعداء. والمغرب، مرة أخرى، يسجّل نقطة حاسمة في معركة الشرعية، بينما الجزائر تجر ذيول الصمت في ساحةٍ لم تعد تقبل بترف الوهم ولا بسفه الإنكار.
وبنفس المناسبة وفي نفس السياق تغلق سوريا الجديدة مكتب تمثيلية جوقة الانفصال في دمشق، وتفتح بدله سفارة المملكة المغربية، في خطوة لاسترجاع العلاقات إلى طبيعتها