قضية فلسطين لا تبرر الإساءة للمغرب: التضامن لا يكون على حساب الوحدة الترابية

بقلم يونس التايبمتخصص في السياسات العمومية للإدماج و الحكامة الترابية

لا يمكن للإنسان السوي ألا ينوه بكل مبادرة سياسية أو ديبلوماسية أو مدنية، تسير في اتجاه تقوية صف الداعين لوقف الحرب التي تجري أطوارها في قطاع غزّة، وترتيب عودة السلام الدائم الذي يحمي المدنيين في المنطقة.

في هذا الباب، كان موقف المملكة المغربية، قيادة وشعبا، واضحا منذ أول يوم، ومنسجما مع قناعاتنا الوطنية ومبادئنا، حيث دعونا إلى وقف الحرب وحماية المدنيين وفك الحصار وإطلاق الرهائن وإحلال السلام الشامل.

وقد تجسد الموقف المغربي المبدئي من خلال العمل الديبلوماسي الذي انخرطت فيه بلادنا، وعبر المبادرات الشعبية والمسيرات التي كانت الأقوى من بين الفعاليات التضامنية التي شهدتها الدول المغاربية والعربية.

لذلك، لا حق لأحد أن يزايد علينا في الموضوع الفلسطيني. وإذا كان لزاما فتح نقاش موسع يتناول بالتحليل كل جوانب القضية، العادية أو التي تعتبر “دقيقة وحساسة”، فنحن نرحب بذلك في أي وقت وسياق، لأن مواقفنا صلبة واختياراتنا موضوعية.

ولكون الموقف المغربي يحمل قناعة ثابتة، فمن الضروري إبقاء اليقظة وعدم التردد في الإشارة إلى كل السلوكات المشبوهة، الصغيرة والكبيرة، للمتاجرين بالمأساة الإنسانية الجارية، ولأبواق النفاق التي تردد خطابات “حق يراد بها، ومن ورائها، باطل كبير”.

في هذا السياق، وأثناء متابعتي لتقارير إعلامية عن “المبادرة” التي أطلقتها فعاليات مدنية وسياسية مغاربية بتنظيم قافلة برية تسير عبر تونس وليبيا ومصر إلى الحدود مع قطاع غزّة للمطالبة بفك الحصار، أثارتني صور خرائط تمثل، بحسب المنظمين، جغرافيا دول شمال إفريقيا، تم إلصاقها بالحافلات والسيارات، والترويج لما فيها من تحريف وتدليس ماكر، لا يمكن إلا أن يستفزنا، خاصة أنه يأتي في سياق “قيمي تضامني” يفترض فيه الترفع عن ثقافة الدسائس التي ألفناها ممن تحركهم جهات استخباراتية معادية معروفة.

بشكل منطقي وموضوعي، كان على منظمي المسيرة التي تستهدف “جلب النفع” لأهل غزّة، تحت شعار “إنما المؤمنون إخوة” (صدق الله العظيم)، أن يجسدوا مضامين الآية الكريمة ومعانيها السامية، هنا والآن، في الفضاء المغاربي الذي ينطلقون منه قبل أي شيء آخر. وإلا، فكيف نصدق حسن نواياهم وهم يتعمدون، قبل الانطلاق دفاعا عن الأخوة، تمرير مس خبيث بالخريطة الرسمية والشرعية للمملكة المغربية، جارتهم في الفضاء المغاربي؟!

كيف نقبل أن من يتآمر على “الإخوة” الأقربين جغرافيا، يمكن أن يحمل النفع لغيرهم من “الإخوة” في سياقات جغرافية أخرى؟!

نحن نتألم لما يجري للمدنيين في القطاع من قتل شامل، ونحن مع الحق في السلام والأمن وضد الحرب والتقتيل والمس بالمدنيين، وندعم كل المبادرات الجادة، سواء أتت من سياسيين أو غير سياسيين، أو من مثقفين وغير مثقفين، من كل دول العالم.

وبلادنا مستعدة للمساهمة بما تستطيعه لدعم دينامية التفاوض الديبلوماسي للخروج من النفق الدراماتيكي المسدود الذي يعيشه الشرق الأوسط.

لكن، على جميع الأطراف أن تحترم قدسية قضية وحدتنا الترابية، وتعي قيمتها ومكانتها في وجدان المغاربة، وتدرك أننا لن نتردد في إدانة كل من يستفز مشاعرنا الوطنية أو يمس بوطننا المغرب المجيد، سواء كان ذلك من خلال تعمد تجزيء الخرائط وتحريف معالمها الرسمية، أو من خلال التورط في سلوكات وممارسات أخرى تستفز مشاعرنا الوطنية.

وكل من سيتعمد ارتكاب تلك الخطيئة، لن ينال ثقتنا ولن يقنعنا بصدق نواياه في ما يقدم عليه من خطوات “نضالية”، حتى لو قدمها بغطاء “النضال” وخطاب “نصرة الأخوة”.

ما من شك أن المتآمرين والمتربصين بوطننا لن ينجحوا في تغيير قناعاتنا بالاستمرار في نهج التضامن، الرسمي والشعبي، مع كل القضايا الإنسانية العادلة التي تستحق المساندة وتفعيل القانون الدولي الإنساني، دون تردد. كما لن تنجح أبواق النفاق السياسي في زعزعة يقيننا بقدسية قضية وحدتنا الترابية وأولوية الدفاع عن صحرائنا المغربية.

قد يقول البعض إن تناول مسألة تعمد نشر خريطة محرفة لبلادنا، ليس مهما بالنظر للموضوع والسياق الأهم الذي تمت فيه هذه الإساءة، وأن الأمر لا يستحق التوقف عنده بهذا الشكل. لكن، أنا أرفض منطق التهوين وأعتقد أن الأمر هام جدا، كيفما كان السياق. بل إن سياق التضامن مع الأشقاء في القطاع، كان يستوجب على منظمي المسيرة إياها توقيرنا وعدم استفزازنا.

لذلك، سأعتبر أن كل إساءة لوطننا وقضاياه، سواء فعليا أو رمزيا، هي سلوك يجب فضحه وإدانته، واعتبار المسؤولين عنه خصوما لنا، إلى حين عودتهم عن غيهم وانتصارهم للشرعية والمشروعية في موضوع الصحراء المغربية، والكف عن تمرير الخطابات المغرضة، ونشر أوهام الخرائط المحرفة والخطابات المسمومة التي يراد لها أن تنشر وعيا منحرفا يسيء للحق المغربي.

وسالات الهضرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

سوريا تفرض قررات جديدة على اللباس في الشواطئ وأماكن السباحة

المنشور التالي

المغرب يتجاوز تأثير الجفاف.. وموسم الحبوب يسجل 44 مليون قنطار

المقالات ذات الصلة