في ليلة باردة من ليالي دجنبر، تعيد الذاكرة السورية رسم تلك الساعات الغامضة التي رحل فيها النظام السابق عن المشهد السياسي، ورحلت قيادته على نحو مفاجئ إلى موسكو، معلنة انتهاء حقبة امتدت لسنوات طويلة من الأب إلى الإبن. ليلة وصفت بأنها نقطة التحول التي فتحت الباب أمام مرحلة جديدة لم تكن ملامحها واضحة آنذاك، لكنها لن تكون بمرارة ماعاشه السوريون في عهد الأسد.
الانسحاب المفاجئ… وتغير موازين القوى
وفق الرواية المتداولة في هذا السيناريو، فقد شهدت دمشق واحدة من أكثر الليالي اضطرابا في تاريخها الحديث. اختفت مؤسسات السلطة السابقة بشكل متسارع، وغابت رموزها عن العاصمة، تاركة فراغا سياسيا وأمنيا كبيرا.
وتشير روايات متعددة إلى أن القرار بالخروج المفاجئ والليلي إلى موسكو جاء بعد ضغوط دولية وإقليمية، وسط تصاعد التوترات في الداخل وامتداد رقعة الاضطرابات.
القوى الصاعدة… ومشهد جديد يتشكل
وسط هذا الفراغ، برزت قوى متصارعة على النفوذ، من بينها مجموعات مسلحة وشخصيات محلية لعبت أدوارا مختلفة خلال سنوات الحرب. ومن بين الأسماء التي ظهرت في تلك اللحظة شخصية أحمد الشرع المعروف بالجولاني،التي ارتبط حضورها بالصراع في شمال سوريا.
وصف تقدمه نحو دمشق بأنه انتقال من مرحلة الصراع المسلح إلى محاولة فرض واقع سياسي جديد، وهو الأمر الذي أثار جدلا واسعا بين السوريين، خصوصا بسبب الخلفيات الأيديولوجية والعسكرية للقوى التي يمثلها.
احتفالات الذكرى… وذاكرة متشابكة
بعد مرور عام على تلك الليلة، تستعيد مناطق واسعة من البلاد ذكراها بطرق مختلفة، فالبعض يراها لحظة نهاية النظام السابق، فيما يعتبرها آخرون بداية مرحلة لا تزال ضبابية وغير محسومة، خاصة مع استمرار الانقسام السياسي وتعدد القوى المسيطرة.أما دمشق فلا زالت حائرة وتتخللها مشاعر الارتياح بسقوط النظام السابق مع القلق من عدم وضوح مستقبل البلاد.
سوريا بعد “التحرير”… واقع أكثر تعقيدا
رغم الخطاب الذي رافق تلك الأحداث عن “تحرير سوريا”، إلا أن الواقع يظهر أن البلاد دخلت فورا في عملية شديدة التعقيد، كصراع نفوذ بين فصائل متباينة الرؤى، محاولات لتشكيل سلطة انتقالية غير مستقرة، ضغوط دولية لإعادة هيكلة المشهد السياسي، وتحديات أمنية واقتصادية هائلة.
ومع غياب مؤسسات الدولة القديمة، أصبحت الحاجة إلى بناء هياكل حكم مدنية أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.
ذكرى بطعم التحول لا النهاية
تحل “ذكرى التحرير” في هذا السيناريو التخيلي كعلامة على تغير جذري وليس كخط نهاية للصراع. فالسوريون، رغم اختلاف مواقفهم من تلك الليلة، يتفقون على أنها هزت ثوابت الماضي، لكنها لم ترسم بعد طريق المستقبل.
وتبقى الأسئلة الكبرى معلقة: هل كان سقوط النظام بداية الحرية؟ أم بداية مرحلة جديدة من الصراع على شكل سوريا القادمة؟