غضبانة وراجعة للدار…

مرة أخرى، تعود الجزائر إلى طاولة الحوار مع فرنسا بعد موجة من التصعيد السياسي والدبلوماسي. المكالمة الهاتفية التي جمعت الرئيس عبد المجيد تبون بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس الإثنين 31 مارس 2025 جاءت لتغلق مؤقتاً فصلاً جديداً من التوتر الذي لم يعد مفاجئاً للمراقبين.

لكن المتابع للعلاقات الجزائرية مع شركائها الدوليين يلاحظ نمطاً واضحاً ومتكرراً: تصعيد سريع، خطاب هجومي، قطع التعاون، ثم العودة إلى نقطة الصفر بمكالمة دبلوماسية أو زيارة شكلية. فهل نحن أمام سياسة خارجية قائمة على ردات الفعل لا غير؟

من الواضح أن المحرك الرئيسي لهذه التوترات ليس سوى قضية الصحراء المغربية، التي تستمر الجزائر في تبنيها كأولوية دبلوماسية، رغم أنها لا تمثل أزمة داخلية لها، ولا تمس حدودها الجغرافية المباشرة. ومع كل تحرك دولي يعترف بمغربية الصحراء أو يدعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية، تُفعل الجزائر آلتها التصعيدية: سحب سفراء، قطع علاقات، تجميد اتفاقيات، وكل ذلك دون تحقيق مكاسب تُذكر.

ما حدث مع فرنسا اليوم يعيد إلى الأذهان نفس المشهد مع إسبانيا في 2022، حين قررت الجزائر تعليق معاهدة الصداقة والتعاون بعد أن دعمت مدريد مبادرة الحكم الذاتي المغربية. النتيجة؟ تجميد اقتصادي خسر فيه الطرف الجزائري أكثر من الإسباني، وفي النهاية، بقيت إسبانيا ثابتة على موقفها، بينما الجزائر علّقت في دوامة العزلة الدبلوماسية.

المكالمة بين تبون وماكرون ليست مصالحة بقدر ما هي تراجع جزائري أمام واقع دبلوماسي لا يتغير لمجرد التهديد أو القطيعة. استئناف التعاون الأمني، إعادة إطلاق المشاريع الاقتصادية، والحديث عن “الذاكرة المشتركة”، كلها مؤشرات على عودة الجزائر إلى مربع التنازلات دون مقابل واضح. فهل حقق التصعيد الأخير شيئاً؟ أم أنه مجرد استعراض لمواقف تنتهي بالتراجع عندما تُقفل الأبواب في وجه الدبلوماسية الجزائرية؟

السياسة الخارجية الجزائرية اليوم تبدو محكومة بعقدة الصحراء المغربية، وهو ما يضعها في موقف دولي هش، وغير قادر على بناء تحالفات استراتيجية مستقرة. بدلاً من التركيز على مصالحها الداخلية، كالاقتصاد والانتقال الديمقراطي، تنشغل الجزائر بإضعاف خصمها الإقليمي، ولو على حساب مكانتها وصدقيتها.

إن كان الهدف من التصعيد هو الضغط من أجل التغيير، فالتجربة أثبتت أن العالم لم يعد يستجيب لمثل هذه الأساليب. أما إن كان الهدف هو فقط تسجيل مواقف داخلية شعبوية، فإن الخاسر الأكبر هو الجزائر نفسها.

الحاصول، الغضبةعندها ماليها… وماشي غير جي وكون سبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

أمطار ورياح وانخفاض في الحرارة.. أجواء غير مستقرة بالمملكة 

المنشور التالي

مارين لوبان تنتفض: “إقصائي قرار سياسي”.. زلزال يهز المشهد الفرنسي

المقالات ذات الصلة