رغم التحذيرات المتكررة من الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية بشأن خطر المجاعة في قطاع غزة، لا يزال الإعلان الرسمي عنها متعذراً بسبب غياب البيانات العلمية الميدانية الضرورية. فوفق معايير “التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي” (IPC)، لا تُعلَن المجاعة إلا عند تحقق شروط قاسية، أبرزها وفاة شخصين من كل عشرة آلاف يوميًا ونقص حاد في الغذاء لدى 20% من السكان، وهي مؤشرات يصعب توثيقها حالياً بسبب الحصار الإسرائيلي الخانق وصعوبة الوصول إلى المناطق المتضررة.
المنظمات غير الحكومية، من أطباء بلا حدود إلى برنامج الأغذية العالمي، تشير إلى تدهور مقلق وسريع في الوضع الغذائي. ربع الأطفال الصغار والنساء الحوامل الذين فُحصوا مؤخرًا في عيادات غزة يعانون سوء التغذية الحاد، فيما يقدر أن ثلث السكان “لا يأكلون لأيام”. ترافقت هذه الأرقام الصادمة مع تقارير عن وفاة أطفال جراء الجوع، وأسعار خيالية للمواد الغذائية القليلة المتوافرة، إذ وصل سعر كيلو الطحين إلى مئة دولار.
في ظل هذا الانهيار، تصاعد الجدل بين إسرائيل والمنظمات الإنسانية. فبينما تؤكد تل أبيب أنها لا تعيق دخول المساعدات، تشير جهات إغاثية إلى وجود مئات الشاحنات المتوقفة، ونظام توزيع وصفوه بالمقيد والبيروقراطي تحت إشراف “مؤسسة غزة الإنسانية”. كما وجهت اتهامات مباشرة للجيش الإسرائيلي بقتل أكثر من ألف شخص خلال محاولتهم الوصول إلى مراكز المساعدات، في وقت تنفي إسرائيل هذه المزاعم وتحمل حركة حماس المسؤولية.
وبين الأرقام المروعة والخلافات السياسية، يؤكد خبراء الأمن الغذائي أن انتظار الإعلان الرسمي عن المجاعة “لا ينقذ الأرواح”، مشيرين إلى أن معظم ضحايا الجوع يموتون قبل ذلك. ومع استمرار الأزمة وغياب استجابة دولية عاجلة، يبدو أن غزة تقترب يوماً بعد يوم من كارثة إنسانية غير مسبوقة، يتفق الجميع على حدوثها، ويختلفون فقط على تسميتها.