بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش ، تتجدد في هذه المناسبة الوطنية التأكيدات على عمق العلاقات الصديقة التي تربط المملكة المغربية بأشقائها، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، والتي تمثل نموذجًا رائدًا للتعاون العربي المبني على الاحترام المتبادل، والتضامن الوثيق، والمصالح الاستراتيجية المشتركة.
تتميز العلاقات بين الرباط والرياض بعمق تاريخي ضارب في الجذور، إذ تعود أواصر التعاون والتقارب بين البلدين الشقيقين إلى عقود من الزمن، مدعومة برؤية قيادتين حكيمتين: جلالة الملك محمد السادس، وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وقد ظلّت هذه العلاقة تتعزز باستمرار، مستندة إلى تطابق في المواقف وتنسيق متواصل في مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك.
على الصعيد السياسي والدبلوماسي، تُجسد العلاقات المغربية السعودية نموذجًا للتنسيق الثنائي المتين، لا سيما في ما يتعلق بالقضايا الإقليمية الكبرى. فقد جدّدت المملكة العربية السعودية، خلال الدورة الرابعة عشرة للجنة المشتركة المغربية–السعودية المنعقدة في مارس 2025 بمكة المكرمة، دعمها الكامل والثابت للوحدة الترابية للمملكة المغربية ومغربية الصحراء، مؤكدة أن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب تشكل “الحل الواقعي والوحيد” لهذا النزاع الإقليمي، وذلك في إطار سيادة المغرب ووحدة ترابه الوطني.

وقد ترأس أشغال هذه الدورة عن الجانب المغربي وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج،ناصر بوريطة، إلى جانب نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، حيث عبّرا معًا عن التزام البلدين بتعميق التنسيق السياسي، والدفع بالعلاقات الثنائية نحو مزيد من التكامل الاستراتيجي، بما يخدم المصالح العليا للبلدين الشقيقين.

وشهد الجانب القضائي في العلاقات المغربية–السعودية تعزيزًا ملموسًا في أبريل 2025، حيث تم توقيع ثلاث اتفاقيات استراتيجية تهدف إلى تعزيز التعاون القضائي والأمني بين البلدين. وتشمل هذه الاتفاقيات تنظيم المساعدة المتبادلة في المسائل الجنائية، ونقل المحكوم عليهم، وتسليم المطلوبين، ما يعكس حرص البلدين على مكافحة الجريمة العابرة للحدود وتعزيز الأمن والاستقرار. جرى التوقيع بحضور وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي ووزير الداخلية السعودي، مؤكدين التزامهما بتطوير التعاون القانوني بما يخدم مصالح الشعبين.
وفي الجانب الاقتصادي، ، تم توقيع عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مجالات متعددة، تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين. شملت هذه الاتفاقيات التعاون الجمركي المشترك، حيث تم الاعتراف المتبادل ببرنامج “المشغل الاقتصادي المعتمد”، مما يسهم في تسهيل الإجراءات الجمركية وتعزيز التبادل التجاري بين البلدين.
في 29 يونيو 2025، استقبل المغرب وفدًا رفيع المستوى من اتحاد الغرف السعودية يضم أكثر من 30 شركة وممثلين حكوميين، في زيارة تهدف إلى استكشاف فرص الاستثمار في قطاعات البنية التحتية والطاقة المتجددة والسياحة والتعدين. شهدت الزيارة عقد عدة لقاءات مع المسؤولين المغاربة لتعزيز التعاون الاقتصادي، إضافة إلى مناقشة إنشاء منصة إلكترونية مشتركة لعرض المنتجات بين البلدين، بالإضافة إلى التنسيق في مشاريع كأس العالم 2030.

كما تم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة بين وزارتي النقل في البلدين، بهدف تطوير الربط الجوي والبحري، وتعزيز الشراكة بين الشركات الوطنية في مجالات النقل والخدمات اللوجستية. بالإضافة إلى ذلك، تم التباحث حول إطلاق خط بحري مباشر بين ميناء طنجة المتوسط وميناء جدة ، مما يساهم في تقليل زمن الشحن وتخفيض التكاليف اللوجستية، ويعزز التبادل التجاري بين البلدين.
في مجال البيئة والطاقة المتجددة، تم في مارس 2025 توقيع مذكرة تفاهم بين المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية، شملت التعاون في مجالات الاقتصاد الدائري، إدارة النفايات، حماية التنوع البيولوجي، والحكامة البيئية. بالإضافة إلى ذلك، واصلت شركة ACWA Power السعودية استثماراتها في مشاريع الطاقة المتجددة بالمغرب، خاصة في مجالات طاقة الرياح وتخزين الكهرباء، باستثمارات تتجاوز 800 مليون دولار، مما يعزز جهود التحول الطاقي المستدام في المملكة المغربية ويدعم تحقيق أهداف التنمية البيئية على المدى الطويل.

أما من حيث التبادل التجاري، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين المغرب والسعودية حوالي 5 مليارات ريال سعودي (ما يعادل 1.33 مليار دولار أمريكي)، مسجلاً زيادة بنسبة 7.3% مقارنة بالعام السابق، مما يعكس نموًا ملحوظًا في حجم العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
لا تقتصر العلاقات المغربية السعودية على الجوانب السياسية والاقتصادية فحسب، بل تمتد لتشمل أبعادًا ثقافية ودينية وإنسانية عميقة، تعكس التقارب الحضاري والروحي بين الشعبين الشقيقين، فقد عززت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في المغرب تعاونها مع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية من خلال تنظيم معرض “جسور” بمدينة مراكش.

ويهدف هذا المعرض إلى تعزيز الروابط الثقافية والدينية بين البلدين، وتطوير التبادل الفكري والديني، مما يسهم في توثيق أواصر الأخوة والتفاهم المشترك بين الشعبين المغربي والسعودي، وشمل المعرض أجنحة متعددة تناولت التراث الإسلامي، الخط العربي، الحج والعمرة، والمسابقات القرآنية، مما ساهم في تعميق التبادل الفكري والديني بين المغرب والسعودية وتعزيز أواصر الأخوة بين شعبيهما.
وفي الختام، تشكل العلاقات المغربية-السعودية نموذجًا متينًا للتعاون والتنسيق بين بلدين شقيقين تجمعهما أواصر تاريخية وثقافية عميقة، وروابط أخوية متجذرة. لقد شهدت هذه الشراكة تطورًا مستمرًا على مر العقود، حيث تجلت في تنسيق سياسي متبادل، وجهود مشتركة لتعزيز التعاون الاقتصادي، الثقافي، والديني، بما يخدم مصالح البلدين وشعبيهما.
مع مرور السنوات، ازدادت هذه العلاقات قوة وصلابة، لتصبح ركيزة أساسية في دعم استقرار المنطقة وتحقيق التنمية المستدامة. إن روح التعاون التي تميز هذه الشراكة تعكس رؤية قيادتي البلدين الرشيدتين، اللتين تسعيان إلى تعزيز العمل المشترك لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية، والإسهام في بناء مستقبل أكثر استقرارًا ورخاءً للعالم العربي.
وفي ظل الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد، تجدد الآمال في استمرار هذه العلاقات في مسارها التصاعدي، وتوسيع آفاق التعاون بين المغرب والسعودية، بما ينسجم مع تطلعات الشعبين ويعزز مكانتهما على الساحتين الإقليمية والدولية.