“القفطان المغربي ليس موضة إنما رمز.. رمز للأنوثة، للفن، و للهوية التي لا تتغير”. في المحطة الرابعة من سلسلة بورتريهات التي تقدمها THE PRESS، تروي لنا أمال بلقايد قصة إيمانها العميق و علاقتها مع القفطان المغربي لا كمصممة أزياء فقط بل وريثة لجمالية متجدرة في أعماق الوجدان المغربي، وسط عالم يتغير بسرعة مليء بالبهرجة, اختارت أمال أن تعيد للقطعة المغربية روحها، لأن قفاطينها ليست مجرد أزياء تعرض على منصات الموضة بل كانت رسائل بلغات صامتة تنطق بالروح المغربية.


أمال بلقايد: حين الخياطة تنجب فنانة

أمال بلقايد، مصممة أزياء مغربية اختارت القفطان المغربي ليكون وسيلتها في التعبير، و لغتها التي توصل بها هوية ضاربة في عمق التاريخ. بالنسبة لها القفطان هو مرآة تعكس جمال المرأة المغربية. من بين يدي والدتها الخياطة التي كانت أول مدرسة وأصدق مصدر إلهام، تعلمت منها أمال كيف تحكي بلغة الإبرة بدقة و احترافية، وتذوقت للمرة الأولى طعم الحرير حين يكون محملا بالحب.
هناك على طاولة خياطة متواضعة بدأت أولى خطوات الحلم، ليلحقه التكوين الأكاديمي بكلية College la salle بالدار البيضاء، ليصقل الحس ويمنح الموهبة إطارًا جديدا للإبداع، إذ أظهرت أمال أسلوبها الفريد من نوعه توليفة دقيقة بين رهافة التقاليد و أناقة العصر.
تفاصيل تروى بخيوط: كيف تبدع أمال بلقايد في تصميم قفاطينها

في عالم مزدحم بصيحات الموضة و تكرار الأشكال، تؤمن أمال أن القفطان المغربي لا يمكن أن يحافظ على مجده إلا بتوفر شروط معينة هي الإبداع التجديد المستمر، فالابتكار بالنسبة لها بل ضرورة تحمي القفطان من الابتذال، وتمنحه القدرة على التجدد دون أن يفقد روحه الجميلة. وبين التحديث و الحفاظ على الأصالة، تمشي أمال بخطى دقيقة، لا تنحاز للموضة العابرة، بل تستلهم من التراث المغربي، ذلك الخزان الذي لا ينتهي من الرموز و الألوان، و الحكايات.
في كل مجموعة جديدة تحلق أمال بلقايد بفكرة محددة، إذ تختار موضوعًا بعناية فائقة، وتغوص في عالمه بحثا و تأملا لتستنبط و تستخرج ألوانها لتحدد خط القفطان الذي ينسجم مع جوهر الفكرة. فأمال تولي اهتمامًا بالغا بدقة العمل تميل إلى المزج بين الخيوط الذهبية و الفضية المستوحاة من الطرز المغربي القديم، والأحجار شبه الكريمة أيضا التي ليست زينة فقط بالنسبة لها بل عنصر جمالي تضيفه بخفة و أناقة، ليكون القفطان في كامل فخامته كقطعة فنية ترتدى.
حين ترفض اليد أن تستبدل بالآلة

في زمن تستولي فيه التكنولوجيا على كل شيء، و تغزو فيه الآلات مساحات الفن، ترى أمال بلقايد أن أحد التحديات الكبرى التي تواجه القفطان المغربي هو دخول الصناعة الرقمية و الآلية على خط إنتاجه. وعلى الرغم من أن الحاسوب أو الماكينات قد يسهلان بعض المهام، إلا أنهما في نظر أمال عاجزان عن نقل روح القفطان الحقيقية، فتلك التي لاتطرز إلا بأنامل بشرية تعرف قيمة الخيط و تفهم سر النقش و تتقن لفة التفاصيل. القفطان بالنسبة لأمال ليس منتجا بل عمل فني يتطلب الوقت الصبر و الإتقان في صنعه. كل غرزة تنجز يدويا هي بمثابة نبضة حياة تبث في القماش. لهذا رغم ضغط السوق و تحديات الكلفة و السرعة، ترفض أمال التنازل عن جوهر الحرفة و تبقى مصرة على أن يبقى القفطان كما عرفته أول مرة قطعة تصنع بالحب و ليس بالآلة.

القفطان الأول ذكرى محفورة لاتنسى
من بين كل التصاميم التي مرت بين يديها يبقى هناك قفطان واحد له وقع خاص في قلب أمال بلقايد ، قفطان صنعته والدتها، لم يكن مجرد قطعة بل ذاكرة حية، محفورة بالخيط و الإبرة، مرشوشة بمحبة الأم و حنكتها. فذلك القفطان هو مصدر إلهام لأمال ولعلها تتأمله كلما احتاجت أن تتذكر لماذا اختارت أن تسير في هذا الطريق. ذلك القفطان لم يكن مجرد بداية بل وصلة تذكرها دوما أن الإبداع لا يولد من الصدفة، بل من الجذور، ومن الحب الذي يطرز بصمت.
القفطان رسالة حب و فخر مغربي


بالنسبة لأمال القفطان ليس مجرد تصميم يقدم أو يباع، بل رسالة تنبع من عمق الذاكرة والجذور، هو رمز المرأة المغربية التي تستمد قوتها من تراثها. إذ تؤمن أمال أن الحفاظ على أصالة القفطان و تطويره بروح معاصرة هو السبيل لجعله يتربع على عرش الموضة العالمية حاملا معه فخر المغرب و هويته الأبدية.

