اختتمت منافسات كأس العالم للشباب تحت 20 سنة في الشيلي بمشهد تاريخي لكرة القدم المغربية، بعد أن نجح المنتخب الوطني في تحقيق إنجاز غير مسبوق، بالتتويج بلقب البطولة للمرة الأولى في تاريخه، عقب فوزه المستحق في النهائي على نظيره الأرجنتيني بهدفين دون رد. ولم يقتصر التألق المغربي على الأداء الجماعي فحسب، بل امتد ليشمل بروز أسماء لامعة خطفت الأضواء، في مقدمتها النجم الصاعد عثمان معما الذي حصد جائزة الكرة الذهبية كأفضل لاعب في البطولة، إلى جانب ياسر الزبيري الذي نال الكرة الفضية كأفضل لاعب تان في البطولة.


بأداء فني راق ومهارة عالية، استطاع معما أن يسحر عشاق اللعبة بأدائه الهجومي ومراوغاته المذهلة وحسه الفني الرفيع، ليضع اسمه بين كبار نجوم كرة القدم الذين سبقوه إلى هذا التتويج، أمثال الأسطورة دييغو مارادونا، وليونيل ميسي، وسيرخيو أغويرو، وبول بوغبا. بهذا الإنجاز، أصبح اللاعب المغربي البالغ من العمر 20 عاما ثاني عربي يتوج بهذه الجائزة بعد الإماراتي إسماعيل مطر سنة 2003، في إنجاز يعكس مكانة المواهب العربية على الساحة الكروية العالمية.
وقد سلط الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” الضوء على موهبة معما قبل المباراة النهائية، حيث شبّهه بنجم كرة القدم العالمية كريستيانو رونالدو، وكتب في تقرير خاص: “يُزعج جناح واتفورد دفاعات الخصوم باستمرار بمهاراته الفنية وقدرته على قراءة اللعب. أسلوبه الهجومي جعله يُقارن بالأسطورة البرتغالية كريستيانو رونالدو، فهو لاعب يطلق العنان لإبداعه في كل مرة يلمس فيها الكرة”. هذا التشبيه من أعلى هيئة كروية في العالم لم يأت من فراغ، بل كان تتويجا لأداء استثنائي قدمه اللاعب طيلة البطولة.
وفي تصريحات عقب التتويج، أظهر معما نضجا كبيرا وعقلية احترافية نادرة في هذا السن، حين قال في مقابلة مع موقع “فيفا”: “نحن نسعى فقط لإرضاء جماهيرنا، فهم من يدفعوننا لتجاوز أنفسنا. لا شيء يضاهي اللعب للشعب المغربي. ارتداء القميص الوطني مسؤولية كبيرة، وعلينا أن نحمله بفخر”. كلمات تختصر روح الجيل الذهبي الذي قاد المغرب إلى قمة العالم، وتعكس عمق الانتماء والرغبة في تشريف الراية الوطنية.
ولم يكن تتويج معما سوى تتويج لمسار متصاعد بدأ باكرا. فقد كانت بداياته الاحترافية مع نادي مونبلييه الفرنسي في ماي 2024، حين خاض أول مباراة له في الدوري الفرنسي أمام موناكو، قبل أن يسجل هدفه الأول بعد أسبوع أمام لانس وهو في الثامنة عشرة من عمره، ليصبح ثالث أصغر هداف في تاريخ النادي. هذا التألق فتح له أبواب الاحتراف في إنجلترا، حيث انتقل صيف 2025 إلى نادي واتفورد في صفقة تمتد لأربع سنوات، ليواصل كتابة فصول مسيرته الواعدة في واحد من أبرز الدوريات الأوروبية.
بهذا الإنجاز المزدوج، الجماعي والفردي، يعلن عثمان معما عن ميلاد نجم عالمي جديد يحمل ملامح الكرة المغربية الحديثة: الموهبة، والانضباط، والإصرار على النجاح. ومع تتويجه بالكرة الذهبية لمونديال الشباب، يدخل اللاعب تاريخ كرة القدم من أوسع أبوابه، فاتحا أمامه آفاقا واسعة لمستقبل ينتظر أن يكون مشرقا في سماء اللعبة العالمية.