قدم وزير العدل عبد اللطيف وهبي، اعتذارا رسميا للمحامين المغاربة، على هامش افتتاح المؤتمر الوطني 32 لجمعية هيئات المحامين بالمغرب، المنعقد أمس الخميس 15 ماي 2025 بمدينة طنجة، تحت شعار “المحاماة فاعل محوري وشريك أساسي في منظومة العدالة”. وأقر الوزير، في كلمته أمام مئات المحامين، أن ما وقع من خلافات وصراعات “لم ينل منه”، مؤكدا أنه“إذا أخطأت في حقكم في يوم من الأيام، فأنا أعتذر… أنتم مني وأنا منكم”.

وفي هذا الخطاب الذي تجاوز 14 دقيقة لم يتوان وهبي عن التأكيد على عمق انتمائه للمهنة التي بدأ منها مسيرته المهنية والسياسية، قائلا: “ الوسؤولية والسياسة والمناصب مرحلة، والمحامي ديمومة”. وأوضح أن ما قد يبدو من صراعات أو شد وجذب “ليس سوى مرافعة كل واحد عن موكله”، معتبرا أن الخلاف لا ينفي الاحترام، بل يعكس غنى النقاش الديمقراطي داخل أسرة المحاماة، وأضاف: “تظاهرتم ضدي وانتقدتكم وناقشتكم… وهذا طبيعي جدا، وإلا فلن تكونوا محامين”.
ولم يفوت الوزير المناسبة دون التذكير بالتحديات الكبرى التي تواجه مهنة المحاماة، وعلى رأسها مشروع قانون المهنة، الذي أثار جدلا واسعا في الأوساط المهنية والقانونية، وقال بشأنه: “تأكدوا، حين نضع قانون المهنة، لا أضعه للمحامين فقط، بل أضعه أولا وأخيرا لنفسي كمحامٍ”، مؤكدا أن “أي إصلاح حقيقي للعدالة لا يمر دون مراجعة شاملة لمهنة المحاماة، وتوسيع صلاحياتها وتعزيز حصانتها”.
وفي حديثه عن مسار إعداد مشروع قانون المهنة، كشف وهبي أنه خاض أزيد من 30 اجتماعا مع النقباء، واصفا تلك التجربة بأنها كانت شاقة ومليئة بالمرافعات القوية، قائلا: “أتعبوني كما أتعبتهم”، قبل أن يضيف: “كنت أحيانا أشعر كأنني يتيم في مواجهة الجميع… لكنني تعلمت الكثير”. وأشار إلى أن القانون لم يكن فقط محط نقاش مع النقابات، بل امتد إلى مؤسسات الدولة ومجلسي البرلمان، في إطار حوار مؤسسي شامل.
كما حرص الوزير على التأكيد أن استقلال مهنة المحاماة لا يعني انفصالها عن الدولة، بل يجعلها ركيزة أساسية في تكريس سيادة القانون، وقال: “المحاماة مهنة دستورية، والدولة أوكلت إليها مهمة ضمان شروط المحاكمة العادلة”، مضيفا أن وجود المحامي ضروري لحماية حقوق المتقاضين وضمان شروط المحاكمة العادلة، “فالقاضي لا وجود له دون المحامي، والنيابة العامة لا ترافع إلا ضده”.
وختاما، أشاد وهبي بالرصيد النضالي لهيئات المحامين، سواء في الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان، أو في الانتصار للقضايا العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، مؤكدا أن المحامين يمثلون قوة فكرية وأخلاقية في الفضاء العمومي المغربي, كما لم يخف الوزير قلقه من تحديات المستقبل، مشيرا إلى أن مهنة المحاماة تواجه رهانات كبرى، منها التحولات الرقمية واحتمالات دخول “المحامي الآلي”، قائلاً: “هل نترك الإنسان تحت وطأة هذا الكائن الآلي؟”.