احتضنت قاعة “حوار” بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، أمس الأحد 27 أبريل 2025، حفل تقديم كتاب “ميموزا: سيرةُ ناجٍ من القرن العشرين” للكاتب والشاعر والمعتقل السياسي السابق صلاح الوديع، في ختام فعاليات الدورة الثلاثين للمعرض. وشهد اللقاء، الذي أطره إدريس اليزمي، بث شريط مؤثر عن حياة الوديع، حظي بإعجاب الحاضرين الذين تفاعلوا مع هذا العمل الأدبي الذي يجمع بين قسوة التجربة ووهج الكتابة.
يقارب صلاح الوديع في مذكراته الجديدة رحلة حياة تمتد عبر ستة عقود، موثقًا لتاريخ عائلة سياسية بارزة، ولسنوات الاعتقال والنضال في “سنوات الرصاص”، ولتجربة العدالة الانتقالية بالمغرب. في ما يقرب من 600 صفحة، يسرد الكاتب قصة الانكسارات والانبعاثات، مستعيدًا تفاصيل السجن والانتماء والعائلة والرفاق، ومؤكدا أن “الحرية عماد الوجود”، ومستلهمًا من “هيئة الإنصاف والمصالحة” دروس عدم تكرار مآسي الماضي.
في نثر مؤثر، يعود الوديع إلى رسائل والديه ليستخلص روح الوفاء العائلي، ويحكي عن المآسي التي فرقت أسرته تحت وقع القمع، كما يستحضر لحظات إنسانية بالغة الرمزية مثل لقاءه بابن الجنرال أوفقير، رمز سنوات القمع. ولم تغب عن كتابه شهادات عن بشاعة الاستعباد في جزيرة كوري بالسنغال أو جحيم تازمامارت، في إشارات قوية إلى قبح التوحش الإنساني عبر العصور.
يتوقف صلاح الوديع أيضًا عند قضايا راهنة، مثل مأساة غزة وصمت الغرب عن الجرائم الصهيونية، منتقدًا بحدة تآكل القيم الإنسانية أمام منطق القوة والمصالح. وفي خضم هذه القراءة الناقدة للعالم المعاصر، يدعو الكاتب إلى بناء مغرب مستقل، متضامن، قائم على ملكية دستورية حقيقية، وديمقراطية متجددة، تقطع مع الفساد والإفلات من العقاب، وترسخ قيم الكرامة والعدالة الاجتماعية.
وفي وصية شخصية ختم بها مذكراته، حث الوديع أبناء بلده على التشبث بالمغرب كهوية وأمانة لا بديل عنها، داعيًا إلى نشر قيم الإبداع والحب والاكتشاف. فبإزاء عالم متغير وصاخب، يظل الوطن، كما يؤكد الكاتب، هو المرفأ الوحيد الذي يحمي من الضياع والتيه.