صراع الخلافة في الزاوية البودشيشية: اختبار صعب قبل المولد النبوي

منذ وفاة الشيخ جمال الدين البودشيشي بداية شهر غشت الماضي، دخلت الزاوية البودشيشية في قلب أزمة غير مسبوقة، عنوانها الخلاف حول خلافة شيخ الطريقة. فما إن وُوري جثمانه الثرى بمقر الزاوية في مداغ قرب بركان، حتى اندلع صراع مفاجئ بين ولديه؛ حيث أعلن منير، الوريث المعيّن في وصية والده، توليه القيادة، بينما خرج شقيقه الأصغر معاذ ليعلن رفضه للوصية ويضع نفسه بديلاً، ما شكل صدمة كبرى لأتباع الطريقة الذين وجدوا أنفسهم فجأة في قلب حرب أخوية أربكت أجواء الحزن.

الخلاف سرعان ما تجاوز جدران الزاوية ليشتعل عبر شبكات التواصل الاجتماعي، حيث انقسم المريدون بين مناصرين لهذا أو ذاك، وسط تبادل البلاغات والاتهامات. ويعود جوهر الأزمة إلى التباين الواضح بين شخصيتي الأخوين؛  فمنير، ذو الخلفية الأكاديمية والعلاقات الدولية، يطرح مشروعاً لتجديد التصوف والانفتاح على العالم، بينما يعوّل معاذ على حضوره الشعبي بين المريدين في المغرب وإدارته التقليدية لشؤون الزاوية. وقد زاد عودة منير من فرنسا إبان جائحة كورونا في تعميق التوتر، إذ رآها شقيقه تهديداً مباشراً لطريقته في التدبير.

ومع اتساع الشرخ، دخلت حسابات النفوذ المالي والسياسي على خط الصراع، إذ أن الزاوية تمثل مؤسسة ضخمة تتلقى تبرعات بملايين الدراهم وتتمتع بوزن معنوي معتبر داخل المغرب وخارجه. بعض المقربين من منير يرون أن اعتراض أخيه مدفوع أيضاً بضغوط من جهات متضررة من توجهه نحو الشفافية والإدارة الحديثة، بينما يرد أنصار معاذ بالتشكيك في ظروف إعداد الوصية واعتبار مقاربته أكثر أماناً لاستمرارية المؤسسة الروحية.

إزاء هذه الانقسامات، اجتمع مجلس عائلي في مداغ منتصف غشت وقرر تثبيت سيدي منير خليفة شرعياً، التزاماً بالوصية، مع فتح الباب أمام صيغة للتسيير الجماعي، تضمن توزيع المهام بين الأقطاب الروحية والإدارية والاجتماعية والدولية. هذا الحل الوسطي بدا محاولة لاحتواء الأزمة وحماية وحدة العائلة والطريقة، خصوصاً أن أكثر من خمسين مقدّماً ومعظم الفروع الدولية أعلنوا مساندتهم لمنير، الذي شدد في خطاباته على أن الأولوية للوحدة لا للسباق على الزعامة.

ومع اقتراب احتفالات المولد النبوي في 5 شتنبر، والتي تستقطب آلاف المريدين من المغرب والعالم، يزداد الضغط لإيجاد تسوية نهائية. فالمناسبة ستكون اختباراً مصيرياً لمستقبل الزاوية، إذ إن استمرار الانقسام قد يؤدي إلى انشقاق يضعف إشعاعها العالمي. وفيما يطالب البعض بتدخل الملك محمد السادس للفصل في الخلاف، يلتزم القصر الحياد، على خلاف ما وقع سنة 2017 عند خلافة الشيخ حمزة، ما يعكس حرص الدولة على عدم التدخل العلني في نزاعات داخلية حساسة، مع الإبقاء على متابعة دقيقة لمصير واحدة من أبرز الطرق الصوفية في المغرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المنشور السابق

تقرير: المغرب ضمن الدول الأفريقية التي تدرس إطلاق برنامج للطاقة النووية المدنية

المنشور التالي

محجوزات السجائر المهربة تتراجع بالمغرب خلال 2024

المقالات ذات الصلة

الحكومة تكشف حصيلة تنفيذ مخرجات الحوار الاجتماعي وتحسين أوضاع الموظفين والأجراء

كشف يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، عن الحصيلة المرحلية لتنفيذ مخرجات الحوار الاجتماعي، مؤكداً…
قراءة المزيد