بقلم سعيد الكردوسي من شينزين الصين:
أحب هذه المدينة…
وأدين لها بشيء لا أفهمه تماماً، كأنها مدينة من نسج الحنين لا من خرائط الواقع.
ربما لأنها تذكرني ببداياتي، حين وطئت قدمي أرض الصين لأول مرة،
وكانت الدهشة تلبسني كطفل يرى العالم بألوانه الأولى.
هناك، تفتّح وعيي الجمالي كزهرة على رصيف مجهول،
وأهدتني هذه المدينة رصيداً معرفياً غنياً، في الهندسة، في الجمال، في المشهد.
السفر في هذه البلاد الشاسعة متعب،
لكن كل تعب يذوب في بحر الزخم، في تراكم المعنى والمعرفة.
كل مدينة حكاية، وكل زاوية فكرة،
حتى أنني حلمت – ولست أحلم كثيراً –
أن أشارك هذا الإحساس مع العالم، أن أكون مرآةً له، أن أُترجم دهشتي.
صدقني، السفر ليس مجرد انتقال،
إنه شرارة الإلهام، ومطر الإدراك،
يزرع فيك بذور الإبداع، ويمنحك وصفات سرّية لاختزال المسافات وتوسيع الأفق.
كل خطوة تحمل في طيّها سؤالاً جديداً،
وكل محطة تمنحك مفاتيح لفهم نفسك… والعالم.
في شينزين،
صرت أرى المدن ككائنات حية، تتنفس وتبتسم وتقلق وتبدع،
وهناك، بدأت أُفكك أسئلتي القلقة، لا لأجد لها إجابة،
بل لأفهم سرّ حضورها، سرّ هذا اللهيب الداخلي
الذي يجعلني أكتب، وأفكر، وأحلم أكثر
شينزين ليست مجرد مكان،
هي لحظة وعي متوهجة،
هي بوابة عبور نحو رؤية أكثر اتساعاً للعالم ولنفسي،
وكل مرة أعود منها،
أشعر أنني عدت شخصاً جديداً،
أكثر دهشة، وأكثر امتلاءً.