لم يعد تأمين العلاج في قطاع غزة مجرد تحد عابر، بل أصبح أحد أوجه المعاناة اليومية التي يعيشها السكان تحت وطأة الحصار الإسرائيلي المشدد, والذي أدى إلى حرمان السكان من أبسط مقومات الرعاية الصحية، وعلى رأسها الأدوية الضرورية. فإلى جانب شحّ الماء والغذاء وانعدام الأمان، أصبح الدواء رفاهية مفقودة في حياة آلاف المرضى. وأمام هذا النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، اضطر العديد من المرضى، وخاصة من يعانون من أمراض مزمنة، إلى تناول أدوية منتهية الصلاحية في محاولة يائسة لتخفيف معاناتهم، وفي الوقت ذاته خائفين من المضاعفات الصحية من تناولها.
وفي تقرير نشره موقع “سكاي نيوز عربية”يومه الأربعاء 30 أبريل 2025، روت خلود نصار، وهي مريضة تعاني من مرض مزمن، تجربتها المؤلمة في محاولة الحصول على الدواء المناسب، حيث أشارت إلى أنها اضطرت مؤخراً لاستخدام أدوية منتهية الصلاحية بعد أن عجزت عن العثور على البدائل الصالحة. وأوضحت لموقع سكاي نيوز عربية أنها رغم وعيها بالمخاطر الصحية المحتملة، لم يكن أمامها خيار آخر. وقالت: “أخشى أن تظهر آثار سلبية على صحتي لاحقاً، لكن المرض لا ينتظر، والدواء الصالح غير متوفر”.
ويعود السبب الرئيسي لهذه الأزمة إلى الإغلاق الكامل الذي فرضته إسرائيل على جميع معابر غزة بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، ومنعها دخول أي نوع من المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الإمدادات الطبية. هذا القرار ضاعف من مأساة القطاع، الذي يعاني أصلا من هشاشة في نظامه الصحي نتيجة سنوات من الحصار المتواصل.
ووفق ما صرّح به زكري أبو قمر، القائم بأعمال مدير عام الصيدلة في وزارة الصحة بغزة، لـلموقع نفسه، فإن القطاع فقد نحو 40% من الأدوية الضرورية والأساسية، في حين بلغ فقدان المستهلكات الطبية حوالي 59%، ما ينذر بانهيار وشيك للقطاع الصحي ويهدد حياة آلاف المرضى. وأوضح أبو قمر أن بعض الأدوية تم تمديد صلاحيتها مؤقتاً بعد فحصها من قبل لجنة فنية مختصة، خاصة تلك التي يمثل غيابها تهديداً مباشراً على حياة المرضى.
وأشار مختصو صحة في القطاع إلى أن بعض الأدوية، مثل المضادات الحيوية والهرمونات، لا يسمح باستخدامها بعد انتهاء صلاحيتها لما قد يطرأ عليها من تغيرات كيميائية خطيرة, موضحين أن الدواء يستخدم فقط بعد التأكد من عدة مؤشرات، مثل عدم تغير لونه، وعدم انتفاخ الغلاف، وثبات الرائحة والشكل، إلا أن هذه الإجراءات لا تضمن السلامة الكاملة، بل تعكس مستوى الخطر الذي يعيشه السكان تحت الحصار.
وفي ظل هذا الواقع الكارثي، شدد أبو قمر على أن استخدام الدواء المنتهي الصلاحية هو “خيار اضطراري مؤقت”، محذراً من الاعتماد عليه لفترات طويلة، ومؤكداً أن ما يحدث في القطاع هو “جريمة ضد الإنسانية” تتحمل إسرائيل مسؤوليتها الكاملة. ومع انعدام البدائل، أصبح المرضى في غزة أمام خيارين كلاهما مرّ; مواجهة الموت بسبب غياب الدواء، أو المجازفة بتعاطي أدوية منتهية قد تودي بحياتهم على المدى البعيد.